ولقد شاء الله ان يأتي بعائلة يوسف الى مصر ، فعلّم يوسف هذه الخطة ، واجرى مشيئته على يد وليه الصالح يوسف (ع) وهكذا نعلم ان محتوى الأحكام الشرعية والحكم البالغة التي هي وراء سن الأحكام ، وتشريع الأنظمة وان الله كلف الأنبياء بقدر عقولهم ، فمنهم من فرض عليه التقيد بحرفية الأنظمة الشرعية كسائر الناس ، ومنهم من أوجب عليه العمل وفق الغايات السامية التي يوحي بها إليهم الله ، ليحققوا مشيئة الله كالأنبياء والأئمة والعلماء الذين بدورهم يختلفون في درجاتهم ، وعلى الأقل علما منهم ان يهتدي بنور الأكثر علما ، والله يرفع من يشاء بحكمته وعلمه ممن هم أصلح من غيرهم.
(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)
خبث التهمة :
[٧٧] فور ما تراءى لهم ان أخاهم قد سرق نسوا عهدهم مع والدهم يعقوب بإعادة أخيهم بنيامين اليه سالما ، ونسوا ما فعلوه بأخيهم يوسف ، فاذا بهم يؤكدون تهمة أخيهم ، ويتبرءون منه ، ويعودون الى اتهام يوسف بالسرقة أيضا.
(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)
وبذلك اخطأوا مرتين : عند ما أكدوا تهمة بنيامين ، وعند ما اتهموا أخاه يوسف بالسرقة من دون اي سبب سوى إنقاذ أنفسهم من المشكلة ، ويبدو ان شبح الجريمة التي قاموا بها بحق أخيهم يوسف ظل يلاحقهم ، فاذا بهم حساسون من إلصاق اية تهمة بهم خشية ان يفضح أمرهم ، وإذا بهم لا يزالون يبررون بيعهم لأخيهم الحر بأنه كان قد سرق ، فاستعبد وبيع جزاء سرقته ، وكانت التهمة شديدة الوقع على قلب يوسف ولكنه ملك نفسه ، ولم تظهر على ملامحه آثار الغضب.
(فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ)