هذا الفريق الساذج من الناس حقيقتين :
الأولى : ان دار الدنيا دار ابتلاء واختبار ، وان الله لم يقدر الجزاء العاجل فيها لحكمة ابتلاء الناس بما يفعلون ، واختبار وعيهم وعقلهم وإرادتهم وحسن أو سوء اختيارهم ، ولو عجل ربنا في عقاب الكافرين أو ثواب المؤمنين ، لانعدمت فرصة ابتلائهم ، وكما جاء في الحديث عن الامام علي (ع) في موضوع الأنبياء انه.
«لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك تمد نحوه أعناق الرّجال ، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الإعتبار وأبعد لهم في الاستكبار ، ولأمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيّات مشتركة ، والحسنات مقتسمة» (١)
الحقيقة الثانية : ان طبيعة عمل الكفار صلاح ظاهره وفساد باطنه ، فهو كشجرة مسوسة أو بناء أنيق يكاد يتهدم بسبب تزلزل قواعده. وكل جزاء يرتبط بظاهر العمل ، وصورته الخارجية ، فانه يعجل لهم دون نقيصة ، بينما يبقى الجزاء الحقيقي الباقي لأولئك الذين يصلحون واقع عملهم.
فالشجرة المسوسة تعطيك البهجة والظل ، ولكنها لا تعطيك الثمر ، وهكذا العمل الذي يفقد عنصر الايمان والصدق مثل الذي يرائي الناس في أعماله ، يكسب بعض الشهرة عندهم ، ولكن الصلاة التي يقيمها رياء لا تعرج بنفسه في سماء الفضيلة والتقوى ، وكذلك المجتمع الكافر الذي يعمل من أجل الرفاه فقط فان حياته المادية العاجلة سوف تتحسن ظاهرا ، ولفترة محدودة إذ ان الذنوب والمعاصي ، وظلم بعضهم لبعض ، وظلمهم لسائر المجتمعات كل ذلك يصبح كالسوسة التي تنخر في أعماقهم
__________________
(١) نهج البلاغة خ ١٩٢ ص ٢٩٢.