لم يضل الله إبليس إلا بعد أن أختار بكامل وعيه وبسابق قصده عصيان أمر الرب ويكفي في معنى السبب الذي توحيه كلمة «باء» ، هذا القدر من العلاقة وخلاصة معناه رب كما انك اختبرتني ففشلت ، فاني سوف أهيئ لهم وسائل الاختبار فيفشلون ، وهكذا أنتقم منهم ـ وكان الله يريد ان يختبر عباده ـ وهذا إبليس رشح نفسه لهذه المهمة ، كما ان الله يريد ان يعذب القوم الظالمين فيرشح من هو أظلم منهم نفسه للانتقام فيتركه الله ـ بينه وبينهم – فيصدق الحديث القدسي : «الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه.
» أما كيف وبأية وسيلة أراد إبليس إغواء البشر؟ فلقد كشفها لنا قائلا :
(لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
أي سوف أجعل الأرض جميلة في أفئدتهم حتى تستهويهم.
[٤٠] إغواء إبليس كاغواء الله لإبليس. مجرد اختبار وليس إجبار ، ويشهد عليه ان عباد الله المخلصين يتمردون عليه.
(إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)
[٤١] وصراط الله مستقيم وهو الى الله ، وعلى الله المحافظة عليه مستقيما ، والّا يدع التشويه والانحراف يصيبه كما قال سبحانه في الآية العاشرة من هذه السورة : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ».
(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ)
فمهما كان لإبليس من قوة الإغراء ومن جمال التزيين ، فان الله لن يدع له المجال لتحويل الحق الى الباطل ، وبطمس معالم الدين كليا.