وهذه سمة ثانية وهامة في رسالات السماء حيث أن الأنبياء (عليهم السّلام) لا يدعون لأنفسهم شيئا. ويذكرون الناس بان دورهم فقط دور المبلغ ، وأن الأمر بيد الله.
[٣٤] وتأكيدا لهذه الحقيقة ذكّر نوح قومه بأن النصيحة لا تنفع إلّا بإذن الله. إذ الهدى والضلالة انما هي بأمر الله وإذنه ، وإذا كفر أحد بنعمة العقل. فان ربنا قد يسلبها منه فلا يستفيد من النصيحة.
(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
في المفردات : الغيّ : جهل من اعتقاد فاسد وذلك أن الجهل قد يكون في الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا ، وقد يكون في اعتقاد شيء فاسد ، وهذا النحو الثاني يقال له : غيّ ، وقد يكون هذا الغي يشير الى ان الله تعالى قد يسلب من البشر نعمة العقل. فيعتقد بالباطل حقا.
[٣٥] هكذا رسالات الله جميعا ، التي أنزلت على نوح والتي أنزلت على محمد (ص) سبيلها واحد ، فهي من الله. والرسول يعلم مدى الخيانة التي يرتكبها من يفتري على الله ، ولكن جريمة من لا يهتدي بالرسالة ليست بسيطة هي الاخرى ، وليس من السهل ان يسترسل الفرد ولا يستمع لرسول الرسالة بمجرد احتمال كذبه لأنها جريمة كبيرة أيضا.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ)
جاء في تفسير مجمع البيان : «قيل انه يعني بذلك محمدا (ص). والمراد أيؤمن كفار (قوم) محمد بما أخبرهم به محمد (ص) من نبأ قوم نوح ، أم يقولون : افتراه محمد