المادي ولا حتى بسب فصل الدين عن السياسة ، أو الانفصال عن الجذور التاريخية مثل ما فعلته تركيا اتاتورك ، وانما السبب وراء المدنية والتقدم هو السعي من أجل عمارة الأرض عبر الالتزام بسنن الله الصالحة ، كالعمل والاجتهاد والتعاون والتطلع ، وما دامت هذه الشعوب ملتزمة بهذه السنن فهي تحافظ على مكاسبها ، وحين تنحرف وتعوض عن السعي بالفخر ، وعن الاجتهاد بالغرور ، وعن التعاون والتطلع بالمفاخرة والاستغلال ، فانها مهددة بفقدان مكاسبها ، وهذه الحقيقة تدعونا الى الإعتقاد بأن الأنظمة المادية ، والعادات الجاهلية السائدة على الشعوب المتقدمة سوف تضيع مكاسبها وتفسد مدنيتها ، وان بداية الضياع هو تجيير جهود الناس ومساعيهم لمصلحة فئة الأغنياء المتسلطين في الغرب ، أو حزب المستكبرين الحاكم في الشرق.
الثانية : ان الحضارات البشرية تبدأ بتطبيق سنن الله في تسخير الحياة كالسعي والتعاون ولكنها تنسى دور هذه السنن في تقدمها ، وتتوجه الى الأصنام وتزعم انها هي واهبة التقدم والرفاه ، وهذا الانحراف عادة بشرية تكاد تكون سنن ثابتة لولا حرية البشر التي تتحداها ، ولولا رسالة الله التي تذكر البشر بهذه الحرية ، ومن هنا لا يعترف الإسلام بحتمية الانهيار في الحضارات ، بل يضع لها فرصة الاستمرار عن طريق إصلاح نفسها ، والتوبة الى سنن الله ، وهذا ما تشير اليه هذه الآية التي تعطي المزيد من الأمل في الاستمرار في نهايتها وتقول : إن الله قريب مجيب ، أيّ ان إصلاح الفاسد ، وتجديد الحضارات (بالاستغفار والتوبة) أيسر مما يزعم البشر.
ضلالة الآباء أم هدى الرسالة :
[٦٢] وكان قوم صالح غارقين في الماضي يعتزون بامجادهم الغابرة ، ويقلدون آباءهم ، ولذلك عادوا صالحا بالرغم من ثقتهم بشخصه.