والشجاع الحق هو الذي يغلب نفسه وهواه ، فيخترق سد العادة ليصل الى نور الحقيقة ، ويتمسك بها حتى لو كلّفه ذلك التنازل عن كل سابقياته الخاطئة.
ثم تشير الآيات الى ان التدبر في القرآن يصل بالإنسان الى معاني الحكمة والعلم التي يشتمل عليها ، فآيات الحكمة وشواهدها واضحة في القرآن عبر الأحكام التي نجدها فيه ، فكل حكم يراعي كل الجوانب والجهات من دون ان يحيف بأحد لحساب أحد ، أو لجانب على حساب جانب آخر ، وأما حقائق العلم فهي باطن آيات الحكم ، ومن خلال هذا وذاك يعرف المؤمنون اسمي الحكيم العليم لربهم.
وفي نهاية هذه الآيات يضرب الله مثلا من واقع موسى (ع) فموسى كان طاهرا ونقيا ، الا ان الوحي أو قد مصباح عقله بنور الله ، إذ نزل عليه في عمق الصحراء وفي الليل المظلم ، حيث البرد والضياع والزوجة الحامل ، وهكذا يهبط الوحي على الأنبياء عند لحظات النقاء والطهر والتجرد والتي ترافق لحظات الشدة والعسر.
ان الوحي الذي تلقاه موسى لم يكن ليعالج مشاكله الشخصية ، بل جاءه الوحي ليعالج مشاكل الامة كلها ، وهذا دليل على انه اتصال غيبي من الأعلى ، فلو ان الرسالة التي جاء بها كانت من عنده كنا نجد فيها اثار الظروف الصعبة المحيطة به ، وما كان ليهتمّ بمشاكل الامة جميعا بل البشرية كلهم ، لان الثقافة الارضية تنبع من وسط الإنسان وتتأثر به ، أما موسى (ع) فانه يسمع نداء في ذلك الحين : انني انا الله رب العالمين ، وهنالك ينسى كل شيء ، ويتوجه الى ربه خالصا ، ويهدف حل مشاكل أمته ، متجردا عن ذاته الى الله ، وهذه هي خلاصة قصة الرسالة : من جهة الخروج عن الوسط الذي يعيشه الفرد ، ومن جهة أخرى تلقي فكرة شاملة مطلقة لا تحدها الظروف الخاصة التي يعيشها الفرد ذاته ، وعبر هذه القصة والقصص المشابهة يكشف لنا القرآن الحكيم عن حقيقة الوحي ، وجوهر فرقه