القرآن الحكيم بالإشارة الى القرآن ذاته.
ان في القرآن آيات وتشريعات ، فهو من جهة علامات وإشارات تهدينا الى الله ، والى أسمائه الحسنى ، والى السنن الكونية وغيرها التي أجراها في الحياة ، وهو من جهة أخرى دساتير ثابتة ، وقوانين مستمرة في حياة الإنسان التشريعية.
وفي البدء يهدينا القرآن الى الله عن طريق إعطاء الأمل والهداية «هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» ثم يأمرنا بمختلف الفرائض كالصلاة والزكاة.
أما لماذا لا يؤمن فريق من الناس بالقرآن؟ فلأن أعمالهم السابقة ـ اجرامهم وفسقهم وضلالتهم ـ التي اكتسبوها باختيارهم تصبح حجابا بينهم وبين الحقيقة ، والمشكلة الحقيقية إذا تحولت هذه الأعمال الى عادة ، ذلك ان حجاب العادة من أمتن الحجب وأصعبها أمام الإنسان ، والذي ينتصر على عاداته وسابقيّاته الفكرية فانه يتجاوز سائر الحجب والمشاكل بسهولة ، الا ان اختراق هذا الحجاب من أصعب الأشياء على البشر.
وفي الوقت الذي تشير هذه الآيات لهذا الحجاب تبين ان هذه سنة كونية جعلها الله في الحياة ، فالذي يبدأ بالصلاة تخف صعوبتها عليه شيئا فشيئا حتى يصير من المستأنسين بها ، وأما حين يقدم الإنسان على الفاحشة فانه يستوحش منها ويلاحقه تأنيب الضمير بسببها في بادئ الأمر ، ولكنه لو عاد إليها المرة تلو الأخرى فسوف تتحول الى عادة عنده لا يحس حين ممارستها بأدنى تأنيب ، ومثال على هذه الفكرة هو إدمان الجريمة لدى الطغاة ، فهم أول ما يقدمون على جريمة القتل يكون الأمر بالنسبة إليهم صعبا ، ولكن حينما تتكرر منهم الجريمة يصل بهم الأمر الى حد يقول أحدهم : (لكي أبقى حاكما لا يضر لو قتلت ثلثي الشعب) وليس لا يستقذر هذا العمل بل ويستأنس به ، وتلك سنة الهية ان يزين الشيطان للإنسان عمله.