هدفه ليس إلا الإفساد في الأرض ، والتجبّر ، وفي البين فضح سرّا من أسرار الحركة حين أعلن أمام الناس ، ان الذي قتل القبطي بالأمس هو موسى (ع) فانتشر الخبر في المجتمع ، وقررت السلطة ان تنتقم منه (ع) وتجعله عبرة للآخرين.
ويبدو ان الحركة الرسالية كانت ناضجة ، مما جعلها تخترق خاصة فرعون ، وتتعرف على خطط السلطة ، وهذا من أسباب النجاح في العمل ، إذ يمكّن الاختراق الحركات من اتخاذ خطط وقائية ومضادة لخطط الحكومات ، وكانت الخطوة الوقائية لموسى (ع) هو قرار الهجرة في سبيل الله.
وهكذا دخلت الحركة الرّسالية مرحلة جديدة ، وأسلوبا آخر في العمل الرسالي ، والهجرة مرحلة أساسية لدى الحركات الرسالية عبر التاريخ ، وهي ذات معطيات هامة على مستوى الفرد والحركة ، فهي مثلا تزكّي الفرد من جهة وتحفظ القيادة والتحرك من جهة أخرى.
ولم تكن الهجرة بالنسبة الى موسى (ع) تعني الهروب من ساحة الصراع والعمل في سبيل الله ، بل كانت فرصة للإعداد الأفضل للصراع والعمل ، حيث كان مستضعفا ومحروما ، فكان يبحث هنا وهناك عن مستضعف ليعينه ، كما لم ينقطع عن التفكير في جماهيره المغلوب على أمرها.
لهذا نجد القرآن أول ما يحدثنا عن موسى (ع) في دار الهجرة يشير الى انه أول ما قام به هناك هو خدمة الناس ، والإحسان إليهم. انه لم يقل : يجب أولا ان انتصر على الطاغوت ، ثم أفكر بعدها في خدمة المستضعفين ، كلا .. فأنت أيّها المؤمن ، وأنت في مسيرة بناء الدولة الاسلامية عليك ان تسعى بما أتاك الله من قوة لخدمة الناس ، لأن ذلك يربي الإنسان ، وينمي فيه المواهب الخيّرة ، وبالتالي يجعله أهلا لتحمل المسؤولية الرسالية.