لقد كان موسى يتضور جوعا ، ويعاني من الغربة ، ولا يعرف الى اين ينتهي به الأمر ، ولكنه لم يشك الى الله ذلك ، بل ذكر نعمه السابقة ، وقال انني افتقر الى ذلك الخير. وهذا من أفضل أساليب الدعاء ، إذ يتضمن كناية أبلغ من التشبيه ، ونظرة ايجابية. فبدل ان يقول أحدنا : ان عيني تؤلمني فشافها يا رب ، ليقل ان عيني كانت سليمة سابقا ، واني اليوم لفي حاجة لان أكون مثل الماضي. إذ من آداب الدعاء أن يبدأه العبد بحمد الله ، والثناء عليه ـ كما في الأحاديث ـ.
وأهمية هذا الأدب المحافظة على الروح الايجابية عند الإنسان الذي يسعى الشيطان لإغوائه أبدا عن نعم الله ، ووضع نظارات سوداء على عينه كلما ألمت به مصيبة ، أو فقد نعمة ، حتى لا يرى سائر النعم الباقية وهي بالتأكيد أكثر مما فقدها ومن لا يرى نعم الله عليه لا يمكنه من الانتفاع بها.
وفي تفسير آخر للآية : ان أبا بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال : نعم ، قلت : ما هو؟ قال :
يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال ، وإن كان فيما أنعم الله عليه في ماله حقّ أدّاه ، ومنه قول الله عزّ وجل : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» ومنه قول الله عزّ وجل : «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ...»
وربما ربط الامام (ع) بين حدود الشكر وبين هذه الآية ليبيّن حقيقة هامة وهي : ان قول موسى هذا انما هو شكر ، لأنه بعد ما سقى الى الامرأتين ، وتولى الى الظلّ. قال : «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» لأني ما عملته قليل ، وانا محتاج الى عمل أكثر وأكبر ، حتى يرتفع رصيدي عندك.