ولقد زود الله نبيه موسى (ع) بآيتين عظيمتين هما العصا ، ويده التي تصير بيضاء حينما يضمها الى جيبه ، ثم أمره بالتوجه إلى رأس الفساد والانحراف في المجتمع وهو الطاغوت ، ذلك أنّ من خصائص الرسالات الإلهية عبر التاريخ أنها شجاعة مقدامة ، لهذا نجد موسى (ع) حينما يأمره الله بالتوجه إلى قلب الكفر يفعل ذلك ويترك العمل السري دون ان يخشى من فرعون ، ولماذا يهاب أحدا وقد اتصل بالوحي وبخالق الكون كله؟!
وفي مقابل موسى يقف فرعون وهو تركيز لشتّى أنواع الفساد ، إنسان ظالم ، تحوطه الأهواء والشهوات والكبرياء المزيفة ، وبالطبع لا يمكن أن يتخلّى عن ذلك كله في لحظة واحدة ، ويتجه الى عبادة الله ، ويسلم لقيادة رسوله ، إلّا أنّ موسى يبقى ثابتا أمام ذلك ، واثقا من «إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» وانهم مهما فعلوا ، ومهما استمروا ، وتشبثوا بأسباب القوة فان عاقبتهم الخسران.
ان العبر التي نستوحيها من هذا الدرس كثيرة ، وتنفعنا في حياتنا ونحن ندعوا الى الله ، ولكن أبرزها ان يعرف الفرد الرسالي بان النقطة المحورية لتحركه هو تقربه من الله ، فليدع وليعمل وليعارض ولكن انطلاقا من هذه النقطة وانتهاء إليها.
هل رأيت المحارب ينطلق من خندقه ، ثم يعود اليه ليغير سلاحه ، ويحكم خطته ، ثم يهجم مرة أخرى؟ كذلك المؤمن يواجه السلبيات والمشاكل والتحديات ، فيضعف سلاحه ، وينفذ زاده ، وتتعب نفسه فيعود الى خندقه ليجبر ضعفه ، ويحمل زاده ، ويستعيد نشاطه ، ولكنه اين هو خندق المؤمن؟ انه المحراب يقف فيه للصلاة ، والقرآن يستوحي منه خطط العمل والتحرك ، والصوم يشد به أزره ، والتبتل يستفيد منه العزم والإرادة والإصرار عبر اتصاله بالله.