فيجأرون الى الله طالبين الخلاص ، فلما يبعث الله فيهم الرسول ليخلصهم إذا هم به يكفرون ، ولعلهم كانوا يريدون الخلاص بلا عمل يقومون به ، أو تحمل لصعوبة الجهاد من أجله ، ويذكرنا السياق ـ على هذا التفسير ـ بقصة بني إسرائيل حين طلبوا من نبيهم ملكا ، فلما اختار الله لهم طالوت ملكا ، كفروا به ، لأنه لم يكن على هداهم ، ولم يؤت سعة من المال.
[٤٨] ثم يبين القرآن كيف أنهم يكفرون بالحق ، لأنه يريدونه وفق أهوائهم ومقترحاتهم.
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى)
من المعاجز كالثعبان ، واليد البيضاء ، والسبب أنهم لم يكونوا ينظرون إلى جوهر الرّسالة وإلّا لوجدوها كرسالة موسى (ع) في أهدافها وخطّها العام ، بل إنّ ما جاء به الرسول (ص) هو أعظم من عصا موسى. أو ليست عصا موسى أية الهية؟ فكذا القرآن كله آيات.
ومع ذلك يؤكد القرآن ان المشكلة ليست في عدم وضوح الآيات القرآنية بل في نفسياتهم السلبية ، المعاندة للحق ، والمصرة على الكفر. لهذا يتساءل القرآن :
(أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ)
ولا ريب ان الذين يخاطبهم القرآن في هذه الآية ليسوا هم الذين كانوا مع موسى ثم كفروا به ، ولكن السياق يقول أنهم كفروا بموسى (ع) وربما ذلك ليبين لنا وحدة المنهج والتفكير الذي يوصل الى نفس النتيجة.