عزم على توجيه ابنه محمد المهدي (١) لغزو الصقالبة (٢) في سنة أربعين ومائة ، فصار إلى بغداد ، فوقف بها وقال : ما اسم هذا الموضع؟ قيل له : بغداد. قال : والله المدينة التي أعلمني أبي محمد بن علي أني أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي من بعدي.
ولقد غفلت عنها الملوك في الجاهلية والإسلام حتى يتم تدبير الله ، إليّ وحكمه فيّ ، وتصح الروايات ، وتبين الدلائل والعلامات ، وإلا فجزيرة بين دجلة والفرات ، دجلة شرقيها ، والفرات غربيها ، مشرعة للدنيا.
كل ما يأتي في دجلة من واسط (٣) والبصرة والأبلة (٤) والأهواز ، وفارس (٥)
__________________
(١) محمد المهدي : هو محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي العباسي ، أبو عبد الله ، المهدي بالله من خلفاء الدولة العباسية في العراق ، ولد سنة ١٢٧ ه / ٧٤٤ م بإيذج من كور الأهواز ، ولي بعد وفاة أبيه وبعهد منه سنة ١٥٨ ه ، وأقام في الخلافة عشر سنين وشهرا ، ومات في ماسبذان ، صريعا عن دابته في الصيد سنة ١٦٩ ه / ٧٨٥ م ، وقيل : مسموما.
كان محمود العهد والسيرة ، محببا إلى الرعية ، حسن الخلق والخلق ، جوادا ، يقال : إنه أجاز شاعرا بخمسين ألف دينار ، وكان يجلس للمظالم ، ويقول : أدخلوا عليّ القضاة فلو لم يكن ردّي للمظالم إلّا حياء منهم لكفى. وهو أول من مشي بين يديه بالقوس والنشّاب والعمد ، وأول من لعب الصوالجة في الإسلام. وهو الذي بني جامع الرصافة ، وتربته بها ، وانمحى أثر الجامع والتربة بعد ذلك.
(٢) الصقالبة : بفتح الصاد المهملة وفتح القاف وألف بعدها لام مكسورة وباء مفتوحة ، وهم عند الإسرائيليين من بني بازان بن يافث بن نوح عليه السّلام ، وقيل : هم من بني أشكتاز بن توغرما بن كومر بن يافث. (صبح الأعشى ج ١ / ص ٤٢٢).
(٣) واسط : سميت واسط لأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحد منهما خمسين فرسخا ، لا قول فيه غير ذلك إلّا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمى واسط قصب ، فلما عمّر الحجاج مدينة سمّاها باسمها والله أعلم. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٤٠٠).
(٤) الأبلة : اسم بلد كانت فيه امرأة خمّارة تعرف بهوب في زمن النبط ، فطلبها قوم من النبط ، فقيل لهم : هوب لّاكا ، بتشديد اللام أي ليست هوب هنا ، فجاءت الفرس فغلّظت ، فقالت : هوبلّت ، فعرّبتها العرب ، فقالت : الأبلّة. (معجم البلدان ج ١ / ص ٩٨).
(٥) فارس : ولاية واسعة وإقليم فسيح ، أول حدودها من جهة العراق أرّجان ، ومن جهة كرمان السيرجان ، ومن جهة ساحل بحر الهند سيراف ، ومن جهة السند مكران ، قيل : فارس اسم البلد وليس باسم الرجل ولا ينصرف لأنه غلب عليه التأنيث كنعمان وليس أصله بعربي ، بل هو فارسي معرّب أصله بارس وهو غير مرتضى ، فعرّب فقيل : فارس. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٥٦).