يعدون على من فعل ذلك فثقل ذلك على المعتصم ، وعزم على الخروج (١) من بغداد ، فخرج إلى الشماسية وهو الموضع الذي كان المأمون يخرج إليه فيقيم به الأيام والشهور ، فعزم أن يبني بالشماسية خارج بغداد مدينة فضاقت عليه أرض ذلك الموقع وكره أيضا قربها من بغداد فمضى إلى البردان بمشورة الفضل بن مروان (٢) وهو يومئذ وزير ، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين ، وأقام بالبردان أياما ، وأحضر المهندسين ثم لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له : باحمشا (٣) من الجانب الشرقي من دجلة فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهرا فلم يجده المهندسين ثم لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له : باحمشا (٤) من الجانب الشرقي من دجلة فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهر فلم يجده فنفذ إلى القرية المعروفة بالمطيرة (٥) فأقام بها مدة ثم مدّ إلى القاطول (٦) فقال هذا أصلح المواضع. فصير النهر المعروف بالقاطول وسط المدينة ويكون البناء على دجلة وعلى القاطول ، فابتدأ البناء وأقطع القواد ، والكتاب ، والناس فبنوا حتى ارتفع البناء واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة ، وسكن هو في بعض ما بني له وسكن بعض الناس
__________________
(١) لمّا ضاقت بغداد بعسكر المعتصم ، وكان إذا ركب يموت جماعة من الصبيان ، والعميان ، والضعفاء لازدحام الخيل وضغطها ، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم ، وقالوا : إمّا أن تخرج من بغداد ، فإن الناس قد تأذّوا بعسكرك أو نحاربك ، فقال : كيف تحاربونني؟ قالوا : نحارك بسهام السحر ، قال : وما سهام السحر؟ قالوا : ندعو عليك ، فقال المعتصم : لا طاقة لي بذلك ، وخرج من بغداد ونزل سامرّاء ، وسكنها ، وكان الخلفاء يسكنونها بعده إلى أن خربت إلّا يسيرا منها. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٩٦).
(٢) الفضل بن مروان بن ماسرجس ، المولود سنة ١٧٠ ه / ٧٨٦ م ، وزير ، كان حسن المعرفة بخدمة الخلفاء ، جيد الإنشاء ، أخذ البيعة للمعتصم ، ببغداد ، بعد وفاة المأمون سنة ٢١٨ ه ، وكان المعتصم في بلاد الروم ، فاستوزره نحو ثلاث سنوات ، واعتقله ، ثم أطلقه ، فخدم بعده جماعة من الخلفاء إلى أن توفي سنة ٢٥٠ ه / ٨٦٤ م.
(٣) باحشما : بسكون الميم ، هي قرية بين أوانا والحظيرة ، وكانت بها وقعة للمطّلب في أيام الرشيد وهو المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٧٥).
(٤) باحشما : بسكون الميم ، هي قرية بين أوانا والحظيرة ، وكانت بها وقعة للمطّلب في أيام الرشيد وهو المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٧٥).
(٥) المطيرة : بالفتح ثم الكسر ، على وزن فعيلة من المطر ، هي قرية من نواحي سامرّاء ، وكانت من متنزّهات بغداد وسامرّاء. قال البلاذري : وبيعة مطيرة محدثة بنيت في خلافة المأمون ، ونسبت إلى مطر بن فزارة الشيباني ، وكان يرى رأي الخوارج وإنّما هي المطرية فغيّرت وقيل : المطيرة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ١٧٦).
(٦) القاطول : على وزن فاعول من القطل ، وهو القطع ، وقد قطلته أي قطعته ، والقطيل المقطول أي المقطوع : اسم نهر كأنه مقطوع من دجله ، وهو نهر كان في موضع من سامرّاء قبل أن تعمّر ، وكان الرشيد أول من حفر هذا النهر وبنى على فوّهته قصرا سمّاه أبا الجند لكثرة ما كان يسقي من الأرضين وجعله لأرزاق جنده. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣٣٧).