الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامة ، وصار الدير بيت المال.
فلما قدم المعتصم بغداد منصرفه من طرسوس (١) في السنة التي بويع له بالخلافة وهي سنة ثمان عشرة ومائتين نزل دار المأمون ، ثم بنى دارا في الجانب الشرقي من بغداد وانتقل إليها وأقام بها في سنة ثماني عشرة وتسع عشرة وعشرين وإحدى وعشرين ومائتين ، وكان معه خلق من الأتراك وهم يومئذ عجم.
أعلمني جعفر الخشكي قال : كان المعتصم يوجّه بي في أيام المأمون إلى سمرقند إلى نوح بن أسد (٢) في شراء الأتراك ، فكنت أقدّم عليه في كل سنة منهم بجماعة ، فاجتمع له في أيام المأمون منهم زهاء ثلاثة آلاف غلام.
فلما أفضت إليه الخلافة ألحّ في طلبهم واشترى من كان ببغداد من رقيق الناس.
كان ممن اشترى ببغداد جماعة جملة منهم أشناس ، وكان مملوكا لنعيم بن خازم أبي هارون بن نعيم ، وإيتاخ كان مملوكا لسلام بن الأبرش ، ووصيف كان زرادا مملوكا لآل النعمان ، وسيما الدمشقي ، وكان مملوكا لذي الرئاستين الفضل بن سهل (٣).
وكان أولئك الأتراك العجم إذا ركبوا الدواب ركضوا فيصدمون الناس يمينا وشمالا فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا ويضربون بعضا وتذهب دماؤهم هدرا لا
__________________
ـ سليمان ، وكان خادما للرشيد في سنة تسعين ومائة ونيّف ، وهي مدينة بثعور الشام بين أنطاكية ، وحلب ، وبلاد الروم. وبها قبر المأمون عبد الله بن هارون الرشيد جاءها غازيا فأدركته منيته فمات ودفن فيها. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٣١).
(١) نوح بن أسد بن سامان ، صاحب سمرقند ، وليها في أيام المأمون العباسي ، سنة ٢٠٤ ه ، ثم صحب المأمون في إحدى زياراته لخراسان ، وعاد معه إلى بغداد ، فلزم خدمته إلى أن ولاه ما وراء النهر سنة ٢٣٧ ه ، تابعا لبني طاهر ، فأقام إلى أن توفي فيها سنة ٢٤٥ ه / ٨٦٠ م ، وخلفه أخوه أحمد بن أسد.
(٢) أشناس : أصبح فيما بعد من موالي المعتصم بالله ووهبه قصرا عند نهر القاطول. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٩٦).
(٣) الفضل بن سهل السرخسي المولود سنة ١٥٤ ه / ٧٧١ م ، أبو العباس ، وزير المأمون وصاحب تدبيره ، اتصل به في صباه وأسلم على يده سنة ١٩٠ ه ، وكان مجوسيا. صحبه قبل أن يلي الخلافة ، فلما وليها جعل له الوزارة وقيادة الجيش معا ، فكان يلقّب بذي الرياستين (الحرب والسياسة) ، مولده سنة ١٥٤ ه / ٧٧١ م في سرخس بخراسان ، ووفاته فيها أيضا سنة ٢٠٢ ه / ٨١٨ م قتله جماعة بينما كان في الحمّام ، قيل : إن المأمون دسّهم له وقد ثقل عليه أمره ، وكان حازما ، عاقلا ، فصيحا ، من الأكفّاء ، وأخباره كثيرة.