المتوكل (١) ، والمهتدي (٢). قال أحمد بن أبي يعقوب : كانت سر من رأى (٣) في متقدم الأيام صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ، وكان بها دير للنصارى (٤) بالموضع
__________________
(١) المهتدي : هو محمد بن هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ، أبو عبد الله المهتدي بالله العباسي ، من خلفاء الدولة العباسية ، ولد في القاطول بسامرّاء سنة ٢٢٢ ه / ٨٣٧ م. بويع له بعد خلع المعتزّ سنة ٢٥٥ ه ، ولم يلبث أن انقض عليه الترك ببغداد ، فخرج لقتالهم ونشبت الحرب فتفرّق عنه من كان معه من جنده وهم من الترك أيضا ، وانضموا إلى صفوف أصحابهم ، فبقي المهتدي في جماعة يسيرة من أنصاره ، فانهزم والسيف في يده ، ينادي : يا معشر المسلمين ، أنا أمير المؤمنين ، قاتلوا عن خليفتكم! فلم يجبه أحد ، وأصيب بطعنة مات على أثرها سنة ٢٥٦ ه / ٨٧٠ م ، كان حميد السيرة ، فيه شجاعة ، يأخذ أخذ عمر بن عبد العزيز في الصلاح. مدة خلافته أحد عشر شهرا وأيام.
(٢) سرّ من رأى : مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت ، وفيها لغات : سامرّاء ممدودة ، وسامرّا مقصورة ، وسرّ من رأ مهموزة الآخر ، وسرّ من را مقصورة الآخر.
بها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه ، وقد ينسبون إليها بالسّرّمرّي ، وقيل : إنها مدينة بنيت لسام فنسبت إليه بالفارسية سام راه. وقيل : بل هو موضع عليه بالخراج ، قالوا بالفارسية : ساء مرّة أي موضع الحساب ، قال حمزة : كانت سامرّاء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي كانت موظّفة لملك الفرس على ملك الروم ، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأن سا اسم الإتاوة ، ومرّة اسم العدد ، والمعنى أنه مكان قبض عدد جزية الروم. وقال الشعبي : وكان سام بن نوح له جمال ورواء ومنظر ، وكان يصيّف بالقرية التي ابتناها نوح عليه السّلام ، عند خروجه من السفينة ببازبدى وسمّاها ثمانين ، ويشتو بأرض جوخى ، وكان ممرّه من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطىء دجلة من الجانب الشرقي ، ويسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام ، وقال إبراهيم الجنيدي : سمعتهم يقولون إن سامرّاء بناها سام بن نوح عليه السّلام ودعا أن لا يصيب أهلها سوء فأراد السفاح أن يبنيها فبنى مدينة الأنبار بحذائها ، وأراد المنصور بعد ما أسس بغداد بناءها ، وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ، ثم بدا له وبنى بغداد.
وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ، ثم بناها المعتصم ونزلها سنة ٢٢١ ه. قال أحمد البشاري نكتة حسنة فيها : لما كملت واتّسق خيرها واحتفلت سميت سرور من رأى ، ثم اختصرت فقيل : سرّ من رأى ، فلما خربت تشوّهت خلقتها واستوحشت سميت ساء من رأى ، ثم اختصرت فقيل : سامرّاء. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٥٩).
(٣) اشترى الوزير أحمد بن خالد الكاتب الدير من النصارى للمعتصم بخمسة آلاف درهم. (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٩٦).
(٤) طرسوس : بفتح أوله وثانيه ، وضم ثالثه ، بوزن قربوس ، كلمة أعجمية رومية ، ولا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر لأن وزن «فعلول» ليس من أبنيتهم اللغوية. قالوا : سميت بطرسوس بن الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السّلام ، قيل : إن مدينة طرسوس أحدثها ـ