المنتصر (١) قصر المعتصم المعروف بالجوسق ، وأنزل ابنه إبراهيم المؤيد (٢) بالمطيرة ، وأنزل ابنه المعتز (٣) خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوارا فاتصل البناء من بلكوارا إلى آخر الموضع المعروف بالدور مقدار أربعة فراسخ ، وزاد في شوارع الحير شارع الإسكر والشارع الجديد ، وبنى المسجد الجامع في أول الحير في موضع واسع خارج المنازل لا يتصل به شيء من القطائع ، والأسواق ، وأتقنه ، ووسّعه ، وأحكم بناءه ، وجعل فيه فوارة ماء لا ينقطع ماؤها ، وجعل الطرق إليه من ثلاثة صفوف واسعة
__________________
ـ فيها ليلا سنة ٢٤٧ ه / ٨٦١ م ، لغراء ابنة المنتصر ولبعض الشعراء هجاء في المتوكّل لهدمه قبر الحسين وما حوله ، سنة ٢٣٦ ه ، كثرت الزلازل في أيامه ، فعمّر بعض ما خرّبت. وكان يلبس في زمن الورد الثياب الحمر ، ويأمر بالفرش الأحمر ، ولا يرى الورد إلّا في مجلسه ، وكان يقول : أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين وكلّ منا أولى بصاحبه.
(١) المنتصر : هو محمد ، المنتصر بالله ، بن جعفر ، المتوكّل على الله ، بن المعتصم أبو جعفر ، من خلفاء الدولة العباسية ، ولد في سامرّاء سنة ٢٢٣ ه / ٨٣٨ م ، بويع بالخلافة بعد أن قتل أباه سنة ٢٤٧ ه ، وفي أيامه قويت سلطة الغلمان ، فحرّضوه على خلع أخويه المعتزّ والمؤيّد ، وكانا وليي عهده ، فخلعهما. وهو أول من عدا على أبيه من بني العباس ، ولم تطل مدّته ، وكان إذا جلس إلى الناس يتذكر قتله لأبيه فترعد فرائصه ، قيل : مات مسموما بمبضع طبيب ، ووفاته سنة ٢٤٨ ه / ٨٦٢ م بسامرّاء ، ومدة خلافته ستة أشهر وأيام ، وهو أوّل خليفة من بني العباس عرف قبره ، وكانوا لا يحفلون بقبور موتاهم ، إلّا أن أمه طلبت إظهار قبره. وكان له خاتمان نقش على أحدهما : «محمد رسول الله» ، وعلى الثاني «المنتصر بالله».
(٢) عزله أخوه المعتزّ في رجب سنة ٢٣٢ من ولاية العهد ، وضربه وقيّده فمات بعد أيام فخشي المعتز أن يتحدّث عنه أنه قتله أو احتال عليه ، فأحضر القضاة حتى شاهدوه وليس به أثر.
(٣) المعتزّ : هو محمد ، المعتزّ بالله ، بن جعفر ، المتوكّل على الله ، بن المعتصم ، خليفة عباسي ، هو أخو المنتصر بالله ، ولد في سامرّاء سنة ٢٣٢ ه / ٨٤٦ م ، وعقد له أبوه البيعة بولاية العهد سنة ٢٣٥ ه ، وأقطعه خراسان ، وطبرستان ، والرّيّ ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وكور فارس ، ثم أضاف إليه خزن الأموال في جميع الآفاق ، ودور الضرب ، وأمر أن يضرب اسمه على الدراهم ، ولما ولي المستعين بالله سنة ٢٤٨ ه ، سجن المعتز ، فاستمر إلى أن أخرجه الأتراك بعد ثورتهم على المستعين ، وبايعوا له سنة ٢٥١ ه ، فكانت أيامه أيام فتن وشغب.
وجاءه قوّاده فطلبوا منه مالا لم يكن يملكه ، فاعتذر ، فلم يقبلوا عذره ، ودخلوا عليه فضربوه ، فخلع نفسه ، فسلّموه إلى من يعذبه ، فمات بعد أيام شابا ، قيل : اسمه الزبير ، وقيل طلحة ، وكان فصيحا ، له خطبة ذكرها ابن الأثير في الكلام على وفاته ، قال ابن دحية : كان فيه أدب وكفاية فلم ينفعه ذلك لقرب قرناء السوء منه ، فخلع ، وما زال يعذّب حتى مات بسرّمن رأى ، وقيل : أدخل في الحمام فأغلق عليه حتى مات ، سنة ٢٥٥ ه / ٨٦٩ م. وكانت مدة خلافته ثلاث وعشرون سنة وستة أشهر وأربعة عشر يوما.