الأولى : أن هذا الباب مختصر وباب الموصول يستدعي أحكاما طويلة ، ومن عادة المصنفين تقديم ما هو الأخصر ، وتأخير ما يستدعي فروعا واستطرادات.
الثانية : أنه قد تقدم حكاية قول أن تعريف الموصول بأل ونيتها ، فكانت لذلك كالأصل له فناسب تقديم ذكرها عليه ، وقد قدم ابن مالك في «التسهيل» باب الموصول على باب الإشارة مع أنه عنده مؤخر عنه في الرتبة ، وليس لما صنعه وجه من المناسبة.
اعلم أن في أداة التعريف مذهبين :
أحدهما : أنها أل بجملتها وعليه الخليل وابن كيسان وصححه ابن مالك فهي حرف ثنائي الوضع بمنزلة قد وهل ، قال ابن جني : وكان الخليل يسميها أل ، ولم يكن يسميها الألف واللام ، كما لا يقال في قد القاف والدال ، ثم اختلف على هذا هل الهمزة قطع أو وصل على قولين.
والمذهب الثاني : أنها اللام فقط والهمزة وصل اجتلبت للابتداء بالساكن ، وفتحت على خلاف سائر همزات الوصل تخفيفا لكثرة دورها ، وعليه سيبويه ونقله أبو حيان عن جميع النحويين إلا ابن كيسان ، وعزاه صاحب «البسيط» إلى المحققين ، والفرق بين المذهبين على القول الأول بأن الهمزة وصل أن الموضوع للتعريف على هذا اللام وحدها ، ثم اجتلبت همزة الوصل ليمكن النطق بالساكن ، وعلى ذاك هي معتد بها في الوضع كهمزة استمع ونحوه.
وثمرة الخلاف تظهر في قولك : قام القوم فعلى الأولى حذفت الهمزة لتحرك ما قبلها ، وعلى الثاني لم يكن ثم همزة ألبتة ولم يؤت بها لعدم الحاجة إليها ، ورجح مذهب الخليل لسلامته من وجوه كثيرة مخالفة للأصل ، وموجبة لعدم النظير ، منها : وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن ، وافتتاح حرف بهمزة وصل ولا نظير لهما ، وبأن العرب تقف عليها تقول : ألي ، ثم تتذكر فتقول : الرجل كما تقول : قدي ، ثم تقول : قد فعل ، وقال الشاعر :
٢١٩ ـ دع ذا وعجّل ذا وألحق ذا بذا ال |
|
بالشحم إنّا قد مللناه بجل |
__________________
٢١٩ ـ الرجز لغيلان بن حريث في الكتاب ٤ / ١٤٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥١٠ ، ولحكيم بن معية في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٦٩ ، وبلا نسبة في اللسان ، مادة (طرا) ، ورصف المباني ص ٤١ ، ٧٠ ، ١٥٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٨٣ ، انظر المعجم المفصل ٣ / ١٢٢٦.