إليه بعد هجمتهم البئيسة ، وانقضاضهم عليها كانقضاض الذئب على الفريسة.
وقد أسهب أيضا المؤرخ عز الدين بن الأثير في وصف هول هذه الوقعة التي عاصرها ، ولابس أخبارها ، وشافه عددا ممن ذاق مرارتها ، وإليك بعض وصفه المجمل : «فلو قال قائل : إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم ، وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا ، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ... ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم ، وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ، وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ، ويهلك من خالفه ، وهؤلاء لم يبقوا على أحد ، بل قتلوا النساء ، والرجال ، والأطفال ، وشقوا بطون الحوامل ، وقتلوا الأجنّة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» (١).
وقد سبق في هذه المقدمة شرح حال التتار ، ودخولهم المهيل إلى بلاد الإسلام ، وما اقترفوا فيها من عظائم ، وما اجترحته أيديهم من سيئات ، فلا داعي لإعادته ، إلا ما تمس حاجة البحث إليه من بيان إعدامهم للعلماء ، وتدميرهم للمعاهد العلمية ، وإحراقهم للمكتبات ، وإتلافهم لها.
فعندما تمكن جنكيز خان من بلاد ما وراء النهر ، وضع السيف في رقاب أهلها حتى استأصلهم ، وفيهم ما لا يحصى من الأئمة ، والعلماء الأفذاذ الذين طار ذكرهم في الآفاق ، وضربت إليهم آباط الإبل من كل مكان.
ولم يقنع جنكيز خان وقبيله بهذا الأمر ، بل أرادوا أن يمحوا كل أثر للإسلام في تلك الديار ، ويزيلوا منها كل معلم يشهد بحضارة المسلمين ، وينطق بمآثرهم ، فعمدوا إلى المدارس ، والمساجد ، ودور العلم فطمسوا آثارها ، وخربوا عمرانها ، وجعلوها قاعا صفصفا ، ثم أضرموا النار في خزائن الكتب العامرة حتى صارت رمادا تذروه الرياح.
__________________
(١) الكامل ١٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩.