وقال ابن الأثير : «ودخل العرب حينئذ البصرة ... وملكوها ، ونهبوا ما فيها نهبا شنيعا ... وأحرقوا مواضع عدة ، وفي جملة ما أحرقوا داران للكتب إحداهما وقفت قبل أيام عضد الدولة بن بويه ... وهي أول دار وقفت في الإسلام ، والأخرى وقفها الوزير أبو منصور بن شاه مردان وكان بها نفائس الكتب وأعيانها» (١).
(٥) تبدل دول المسلمين :
شهد المسلمون حروبا كثيرة ومريرة ، كانت تحدث عند تغيّر دولهم ، وتبدل ملوكهم وأمرائهم ، ولو أراد الإنسان أن يسرد تلك الوقائع ، ويصور ما فيها من الشدائد والفظائع ، لطال الأمر كثيرا ، ولخرج البحث عن مساره السليم ، وإني أكتفي هنا بذكر بعض الحوادث التي كان لها أثر مباشر في ضعف الحركة العلمية.
فالخليفة المقتدر بالله بن المعتضد بالله العباسي لما اعتلى كرسي الخلافة بعد خلعه عنها أمر بقتل الذين خلعوه ، ومنهم قاضي القضاة ، وجماعة من العلماء والفقهاء ، قال السيوطي وهو يعدد الفتن التي ابتلي بها المسلمون : «ثم فتنة المقتدر لما خلع ، وبويع ابن المعتز ، وأعيد المقتدر ثاني يوم ، وذبح القاضي ، وخلقا من العلماء ، ولم يقتل قاض قبله في ملة الإسلام» (٢).
ولما ضعف أمر الخلافة الأموية في الأندلس تمكن الثوار البربر في سنة ٤٠٠ من دخول عاصمة الخلافة قرطبة ، وكان من أعظم مفاسدهم فيها نهبهم لمكتبة القصر العظيمة التي كانت تشتمل على نحو من ٤٠٠٠٠٠ مجلد ، وقيل ٦٠٠٠٠٠.
وعندما خرج الأمير يونس بلطا نائب المماليك على طرابلس الشام من
__________________
(١) الكامل ١٠ / ١٨٤.
(٢) تاريخ الخلفاء ٣٥١ ؛ وانظر أيضا ص ٢٥٢ من نفس الكتاب.