بمجالسة العلماء وخاصة أهل الحديث منهم ، وكانت مجالسه تفتتح بالتلاوة ، ثم بقراءة بعض الأحاديث ، ثم بدعائه ، وقد صنف كتابا في العبادات.
دولة بني زيري في إفريقيّة : وإفريقيّة من أقاليم المغرب ، وقد كان بنو زيري في بادىء أمرهم ولاة من قبل العبيديين على إفريقيّة إلى أن خلع أحد ملوكهم وهو المعز بن باديس بن المنصور طاعة هؤلاء الزنادقة ، وأظهر الدعوة للعباسيين ، وأدخل إلى إفريقيّة مذهب مالك رضي الله عنه في الفروع ، ومذهب أهل السنّة في الأصول بعد أن كانت تلك الناحية تغلي بالتشيع والرفض فقها واعتقادا ، كما قام بمحاربة الشيعة أتباع العبيديين ، ووضع السيف فيهم حتى استأصلهم ، وقد سار على منواله ابنه تميم ، لكن يحيى بن تميم عاد إلى طاعة العبيديين.
وقد كان تميم بن المعز عالما من فحول الشعراء. وكان ابنه يحيى عالما باللغة ، والعربية ، والأدب ، والأخبار ، وأيام الناس ، والطب ، يجيد نظم الشعر ، ويكثر من مطالعة كتب السير والأخبار.
هذا وقد اقتصرت في كلامي السابق على بيان اهتمام الخلفاء ، والملوك ، والسلاطين بالعلم والتعلم ، دون غيرهم من الحكام كالوزراء ، وكبار الأمراء ، لأنهم هم الأصل وغيرهم تبع ، ولما كان كثير من الوزراء ، والكبراء ، ممن برع في العلم ، ونال منه نصيبا كبيرا ، أحببت أن أذكر جانبا من أخبارهم حتى لا يستدرك عليّ فيها :
ففي الدولة العباسية ظهر وزراء علماء ، ذوو معرفة ودراية ، ففي العهد الأول كالبرامكة ، ويحيى بن أكثم وهو القائل : «وليت القضاء ، وقضاء القضاة ، والوزارة ، وكذا وكذا ، ما سررت بشيء كسروري بقول المستملي :
من ذكرت رضي الله عنك» (١). وفي العهد الثاني كوزير المقتفي لأمر الله
__________________
(١) شرف أصحاب الحديث ١٠٤.