قومه يقولون : ساحر مجنون كاهن ؛ وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، وإنه عند غضروف كتفه خاتم النبوة.
قال : فبينا أنا كذلك حتى أتت عير من نحو المدينة قلت : من أنتم؟ فقالوا : نحن من أهل المدينة ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا ، ولكنه قد خرج رجل من بيت إبراهيم فقدم علينا وقومه يقاتلونه ، وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا ولكنه قد ملك المدينة. قال : قلت : فما يقولون فيه؟ قال : يقولون : ساحر مجنون كاهن فقلت : هذه الأمارة دلوني على صاحبكم ، فجئته فقلت : تحملني إلى المدينة فقال : ما تعطيني؟ قلت : ما أجد شيئا غير أني لك عبد ، فحملني فلما قدمت جعلن ي في نخله فكنت أسقي كما يسقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ، ولا أجد أحدا يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تسقي ، فكلمتها ففهمت كلامي فقلت لها : أين هذا الرجل الذي خرج ، دليني عليه ، قالت : سيمر عليك بكرة إذا صلّى الصبح من أول النهار ، فخرجت فجمعت تمرا فلما أصبحت جئت ثم قربت إليه التمر فقال : «ما هذا أصدقة أم هدية»؟ فأشرت أنه صدقة ، فقال : انطلق إلى هؤلاء ، وأصحابه عنده فأكلوا ولم يأكل فقلت : هذه الامارة.
فلما كان من الغد جئت بتمر فقال : «ما هذا؟ قلت : هدية ، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا ، ثم رآني أتعرض لأنظر إلى الخاتم فعرف فألقى رداءه فأخذت أقبله وألتزمه فقال : «ما شأنك» فسألني فأخبرته خبري فقال : «اشترطت لهم أنك عبد ، فاشتر نفسك منهم» فاشتراه النبي صلىاللهعليهوسلم على أن يحيي له ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبا ثم هو حر ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اغرس» فغرس ثم قال : «انطلق فالق الدلو على البئر ثم لا ترفعه حتى (١) يرتفع ، فإنه إذا امتلأ ارتفع ثم رش في أصولها» فنبت النخل أسرع النبات فقالوا : سبحان الله ما رأينا مثل هذا العبد إن لهذا العبد لشأنا ، فاجتمع عليه الناس ، فأعطاه النبي صلىاللهعليهوسلم تبرا فإذا فيه أربعون أوقية (٢).
أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا علي بن
__________________
(١) في الحلية : ثم ترفعه حين يرتفع.
(٢) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٩ وقال : رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفه ، وانظر سير الأعلام ١ / ٥١٥.