فالتحقيق عدم جواز التمسّك به قبل الفحص فيما إذا كان في معرض التخصيص ، كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنّة ، وذلك لأجل أنّه لو لا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله فلا أقلّ من الشكّ ، كيف! وقد ادّعي الإجماع على عدم جوازه فضلا عن نفي الخلاف عنه ، وهو كاف في عدم الجواز ، كما لا يخفى. وأمّا إذا لم يكن العامّ كذلك ـ كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في ألسنة أهل المحاورات ـ فلا شبهة في أنّ السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصّص (١).
وقد ظهر لك بذلك أنّ مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضيّة له. كما
__________________
ـ القوانين ١ : ٢٧٦. وحاصله : أنّ المقصود من العمل بالأحكام هو تحقّق إطاعة الموالى ، ولا تتحقّق إطاعتهم إلّا بالعمل بمرادهم ، فلا بدّ من العلم أو الظنّ بمرادهم. ولا يحصل الظنّ بمرادهم من العموم قبل الفحص ، فيجب الفحص حتّى يحصل الظنّ به.
الثاني : ما نسب في مطارح الأنظار : ٢٠١ إلى المحقّق القميّ. وحاصله : أنّ خطابات الكتاب والسنّة خاصّة للمشافهين ، فلا تعمّ غيرهم من الغائبين والمعدومين. وعليه فلا يمكن لهم أن يتمسّكوا بعموم تلك الخطابات ، بل لا بدّ في إثبات توجّهها إليهم من التمسّك بقاعدة الاشتراك في التكليف ، والتمسّك بها متوقّف على تعيين أنّ الحكم عامّ أو خاصّ ، وهو متوقّف على الفحص ، فإذن يجب على غير المشافهين الفحص عن المخصّص.
الثالث : ما ذكره الشيخ الأنصاريّ واعتمد عليه على ما في مطارح الأنظار : ٢٠٢. وحاصله : أنّا نعلم إجمالا بورود مخصّصات كثيرة للعمومات الواردة في الشريعة. وقضيّة هذا العلم الإجماليّ عدم جواز العمل بالعمومات قبل الفحص عن المخصّص ، فإذن يجب الفحص عن المخصّص.
والمصنّف رحمهالله حدّد محلّ البحث ، فذكر أنّ البحث في جواز العمل بالعامّ قبل الفحص وعدم جوازه إنّما هو بعد الفراغ عن اعتبار أصالة العموم من باب الظنّ النوعيّ لا الشخصيّ ، فلا مجال للاستدلال بالدليل الأوّل ؛ وبعد الفراغ عن حجّيّتها بالنسبة إلى المشافهين وغيرهم ، فلا مجال للاستدلال بالدليل الثاني ؛ وبعد الفراغ عن عدم كون العامّ من أطراف العلم الإجماليّ بالتخصيص ، فلا مجال للاستدلال بالدليل الثالث.
(١) ووافقه المحقّق الاصفهانيّ والسيّد الإمام الخمينيّ. وظاهر كلام المحقّق النائينيّ هو عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص مطلقا. راجع نهاية الدراية ١ : ٦٤٦ ، ومناهج الوصول ٢ : ٢٧٥ ، فوائد الاصول ٢ : ٥٣٩.