ربما قيل (١) بأنّ الإطلاق إنّما هو للاتّكال على الوضوح ، إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال(٢).
ولكنّ التحقيق ـ مع ذلك ـ : عدم اعتبارها في ما هو المهمّ في محلّ النزاع من لزوم المحال ، وهو اجتماع الحكمين المتضادّين وعدم الجدوى في كون موردهما موجّها بوجهين في دفع غائلة اجتماع الضدّين ، أو عدم لزومه (٣) وأنّ تعدّد الوجه يجدي في دفعها. ولا يتفاوت في ذلك (٤) أصلا وجود المندوحة وعدمها. ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر (٥) لا دخل له بهذا النزاع.
نعم ، لا بدّ من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا (٦) ، كما ربما لا بدّ من اعتبار أمر آخر (٧) في الحكم به كذلك (٨) أيضا.
وبالجملة : لا وجه لاعتبارها إلّا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال وعدم لزوم التكليف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال (٩).
__________________
(١) والقائل صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ١٢٤.
(٢) توضيح ذلك : أنّ المكلّف إن كان متمكّنا من إيجاد متعلّق التكليف في غير مورد الاجتماع ـ بأن يتمكّن من فعل الصلاة في غير الدار المغصوبة ـ فحينئذ لا مانع من توجيه التكليف بالصلاة إليه ، لتمكّنه من فعلها. وأمّا إذا لم يكن متمكّنا من الإتيان بالصلاة ـ مثلا ـ ، لا في الدار لأنّ الممنوع الشرعيّ كالممتنع العقليّ ، ولا في خارج الدار لعدم المندوحة له ، فإذن لا يمكن توجيه التكليف بالصلاة إليه ، لأنّه من التكليف بالمحال ، وعليه فلا معنى للبحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه.
(٣) أي : أو عدم لزوم المحال.
(٤) أي : في محلّ النزاع.
(٥) غير محذور استحالة التكليف.
(٦) كالعدليّة.
(٧) كالبلوغ والعقل وغيرهما.
(٨) أي : فعلا.
(٩) وتوضيح ما أفاده المصنّف في المقام : أنّ النزاع في المقام يقع في مرحلتين :
الأولى : النزاع في مرحلة الجعل والانشاء. بأن يقال : هل يمتنع تعلّق حكمين متضادّين بشيء واحد ذي وجهين ـ لعدم كفاية تعدّد الوجه في دفع غائلة اجتماع الضدّين ، فيكون نفس التكليف محالا ـ أم يمكن ذلك ـ لكون تعدّد الوجه موجبا لتعدّد المتعلّق ـ؟
ومن الواضح أنّ هذا المعنى لا يختلف الحال فيه بين وجود المندوحة وعدم وجودها. وهذا هو محلّ البحث في مسألتنا هذه. ـ