إن قلت : إذا لم يكن الفعل كذلك (١) فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع ، وهل كان العقاب عليها إلّا عقابا على ما ليس بالاختيار؟!
قلت : العقاب إنّما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان ، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار.
إن قلت : إنّ القصد والعزم إنّما يكون من مبادئ الاختيار ، وهي ليست باختياريّة ، وإلّا لتسلسل.
قلت : ـ مضافا إلى أنّ الاختيار وإن لم يكن بالاختيار ، إلّا أنّ بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار ، للتمكّن من عدمه بالتأمّل فيما يترتّب على ما عزم
__________________
ـ لا يكون كذلك ، لأنّ القاطع إنّما يقصد الفعل بعنوانه الواقعيّ ، لا بعنوان كونه مقطوعا به ، فإذا قطع بخمريّة مائع وشربه فقد قصد شرب الخمر ولم يقصد شرب مقطوع الخمريّة أو مقطوع الحرمة ، فإنّ الفعل بهذا العنوان لا يكون ملتفتا إليه ، ومع عدم الالتفات إليه يستحيل القصد إليه ، ومع امتناع القصد لا يتّصف هذا العنوان بالقبح مثلا.
وأورد المحقّق النائينيّ على الوجه الثاني بما حاصله : أنّ المراد بالالتفات هو حضور الشيء في النفس ، وحضور الشيء في النفس إنّما هو بالقطع الّذي صفة حاضرة بنفسها في النفس ، فلا يعقل أن يكون الإنسان عالما بشيء مع كونه غير ملتفت إلى علمه. ولا ريب أنّ صدور الفعل بهذا العنوان اختياريّ وملتفت إليه ولو بالالتفات الإجماليّ الارتكازيّ. أجود التقريرات ٢ : ٢٧.
وأورد عليه السيّد الإمام الخمينيّ أيضا ـ بعد ما عدّ إيراد المحقّق النائينيّ كلاما خطابيّا لا ينبغي أن يصغى إليه ـ ما حاصله : أنّ العناوين المغفول عنها على قسمين :
أحدهما : ما لا يمكن الالتفات إليه ولو بالنظرة الثانية ، كعنوان النسيان والتجرّي. فحينئذ لا يمكن اختصاص الخطاب به بأن يقال : «أيّها الناسي لكذا افعل كذا» أو «أيّها المتجرّي في كذا افعل كذا» ، فإنّه بنفس هذا الخطاب يخرج عن العنوان.
ثانيهما : ما يمكن الالتفات إليه كذلك ، كعنوان القصد والعلم. وحينئذ يمكن اختصاص الخطاب به ، فإنّ العالم بالخمر بعد ما التفت إلى أنّ معلومه بما أنّه معلوم حكمه يتوجّه بالنظرة الثانية إلى علمه توجّها استقلاليّا. وأدلّ دليل على ذلك وقوع العلم والقصد في الشرعيّات متعلّقا للأحكام ، مثل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر». أنوار الهداية ١ : ٤٩.
(١) أي : إذا لم يكن الفعل بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب اختياريّا.