حرمتها ، كما لا يخفى.
لا يقال : هذا لو كان النهي عنها دالّا على الحرمة الذاتيّة ، ولا يكاد يتّصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلّا تشريعا ، ومعه تكون محرّمة بالحرمة التشريعيّة لا محالة ، ومعه لا تتّصف بحرمة اخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدّين (١).
فإنّه يقال : لا ضير في اتّصاف ما يقع عبادة لو كان مأمورا به بالحرمة الذاتيّة (٢) ، مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيّا عنها ، بمعنى أنّه لو امر به كان عبادة لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة ، كصوم سائر الأيّام (٣). هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة ، كالسجود لله ونحوه. وإلّا كان محرّما مع كونه فعلا عبادة ، مثلا : إذا نهي الجنب أو الحائض عن السجود له تبارك وتعالى كان عبادة محرّمة ذاتا حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضيّة في هذا الحال (٤).
مع أنّه لا ضير في اتّصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعيّة ، بناء على أنّ الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متّصفا بالحرمة ، بل إنّما يكون المتّصف بها ما هو من أفعال
__________________
(١) حاصل الإشكال : أنّ النهي لا يدلّ على الفساد إلّا إذا دلّ على الحرمة الذاتيّة ، واتّصاف العبادة بالحرمة الذاتيّة ممتنع ، فدلالة النهي على الفساد ممنوع.
والوجه في امتناع اتّصافه بالحرمة الذاتيّة أنّه إن أتى بالعمل بدون قصد القربة كصلاة الحائض لتمرين الصبيّ فلا تتّصف بالحرمة ، لأنّ العمل بدون قصد القربة لا يكون عبادة كي تتّصف بالحرمة ؛ وإن أتى به مع قصد القربة ـ ولا أمر به مع حرمته ـ فلا يقدر على نيّة القربة إلّا بتشريع أمر ليقصد التقرّب به ، وحينئذ يحرم العمل للتشريع ، ومع هذه الحرمة التشريعيّة يمتنع اتّصافه بالحرمة الذاتيّة ، للزوم اجتماع المثلين ، وهو محال.
(٢) قوله : «بالحرمة الذاتيّة» متعلّق بقوله : «اتّصاف».
(٣) وأورد عليه المحقّق الأصفهانيّ بوجهين :
أحدهما : أنّ الالتزام بحرمة العبادة وإن لم يقصد بها القربة في غاية الإشكال.
ثانيهما : أنّ مثل هذه العبادة فاسد ولو لم يتعلّق به النهي ، لعدم اشتماله على ما يصلح للمقرّبيّة. نهاية الدراية ١ : ٥٩٣.
(٤) والحاصل : أنّه لا مانع من اتّصاف العبادة الشأنيّة والعبادة الذاتيّة بالحرمة الذاتيّة.