لست منهم ، لأن أولئك رعاء البقر وأهل البؤس والنكر ، لا يقرون الضيف ، ولا يدفعون الحيف ، قال : فأنت إذا من أهل الطلب بالأوبار ، واجتماع الدّار : ثقيف بن منبّه ، قال : كلا أولئك قصار الحدود ، لئام الجدود ، بقية ثمود ، قال : فأنت إذا من أهل الشاء والنعم والمنعة والكرم : هذيل بن مدركة ، قال : كلا ألهى أولئك جمع الحطب وجزر العرب ولا يحلون ولا يمرّون ولا ينفعون ولا يضرون ، قال : فأنت إذا من هوازن ، أهل القر والقهر ، والنعم الدثر ، قال : كلّا أولئك أهل الشّرّات ، وعلاج الكرّات ، شعر الرقاب وغبش الكلاب ، قال : فأنت إذا من قاتلي الملوك الجبابرة ، وأحلاف السيوف البواتر من عبس أو مرّة. قال : لست منهم لأنا منعناهم هاربين ، وقتلناهم غادرين. قال : فأنت إذا من أهل الراية الحمراء ، والقبة القتراء سليم بن منصور ، قال : كلّا ألهى أولئك أكل الحصى ورضخ النوى ، قال : فأنت إذا من أوغاد اليمانين الذين لا يعقلون شيئا ، وقال : أنا ابن ذي فائش مهلا يا معاوية فإن أولئك كانوا للعرب قادة ، وللناس سادة ، ملكوا أهل الأرض طوعا ، وأجبروهم كرها ، حتى دانت لهم الدنيا بما فيها ، وكانوا الأرباب وأنتم الأذناب ، وكانوا الملوك وأنتم السّوقة ، حتى دعاهم خير البرية بالفضل والتحية محمّد صلىاللهعليهوسلم فغزروه أيما تعزيز ، وشمروا حوله أيّما تشمير ، وشهروا دونه السّيوف ، وجهزوا الألوف بعد الألوف ، وجادوا له بالأموال والنفوس ، وضربوا معدّا حتى دخلوا في الإسلام كرها ، وقتلوا قريشا يوم بدر ، فلم يطلبوهم بثأر ، فأصبحت يا معاوية تحمل ذاك علينا حقدا ، وتشتمهم (١) عليه عمدا ، وتقذف بنا في لجج البحار ، وتكفّ شرّك عن بني نزار ، ونحن نصرناك ومنعناك يوم صفّين ، ونصرناك على الأنصار والمهاجرين ، وآثرناك على الإمام التقي (٢) الرقي الرضي الوفي ابن عم النبي صلىاللهعليهوسلم فبنا علوت المنابر ، ولو لا نحن لم تعلها ، وبنا دانت لك المعاشر ، ولو لا نحن لم تدن لك ، فأنكرت منا ما عرفت ، وجهلت منا ما علمت ، فلو لا أنّا كما وصفت [و] أحلامنا كما ذكرت لمنعناك العهد ، ولشددنا لغيرك العقد ، ولفرغت فرغا تتطأطأ منه ، وتتقبض.
فغاظ معاوية ما كان من كلامه ، وضاق به ذرعه ، فلم يتمالك أن قال : اضربوا عنقه ، فلم يبق في مجلسه يمان إلّا قام سالا سيفه ، ولا مضريّ إلّا عاضا على شفته ، ودنا
__________________
(١) كذا ، والسياق يقتضي : وتشتمنا.
(٢) بالأصل : «الثقفي» والمثبت يوافق عبارة مختصر ابن منظور ١١ / ١٥١.