وأنت تعلم أنه أشدّ أهل الأرض نفسا ، وأنسله عند الموت ، فقال طالوت : إني لأسمع قول امرأة مفتونة بزوج قد منعتها الفتنة وحبّها إياه أن تقبل عن أبيها تناصحه ، واعلمي (١) أنّي لم أدعك إلى ما دعوتك إليه من أمر داود إلّا وقد عرفت أنّي لم أنظر فيه نظر مثلي ، وقد وطنت نفسي على قطع ظهره ، إمّا أن أقتلك وإمّا أن تقتليه ، قالت : فامهلني حتى إذا وجدت فرصة أعلمتك.
قال : وأنا إسحاق ، أنا جويبر ، عن الضّحّاك ، عن ابن عباس : أنها انطلقت فاتخذت زقا على صورة داود وملأته خمرا ، ثم طيّبته بالمسك والعنبر ، وأنواع الطيب ، ثم اضطجعت الزق على سرير داود ولحّفته بلحاف داود ، وأفشت إلى داود ذلك ، وأدخلت داود المخدع ، وعلمت أن أباها سيندم على قتله إن قتله ، قال : فأعلمت طالوت ، فقالت : هلمّ إلى داود فاقتله ، قال : فجاء طالوت حتى دخل البيت ، ومعه السّيف ، فقالت : هو ذاك شأنك وشأنه ، قال : فوضع السّيف على قلبه ثم اتّكأ عليه حتى أنفذه ، فانتضح الخمر ونفح منه ريح المسك والطيب ، قال : يا داود طبت ميتا وكنت أطيب وأنت حيّ منك ميتا ، وكنت طاهرا نقيا ، وندم فبكي ، وأخذ السيف فأهوى به إلى نفسه ليقتلها فاحتضنته ابنته ، فقالت له : يا أبة ، ما لك قد ظفرت بعدوّك وقتلته ، وأراحك الله عزوجل منه ، وصفا لك الملك؟ قال : يا بنية قد علمت أن الحسد والبغي حملاني على قتله ، وصرت من أهل النار ، وإنّ بني إسرائيل لا يرضون بذلك ، فإنّي قاتل نفسي ، قالت : يا أبة أفكان يسرّك أنّك لم تكن قتلته؟ قال : نعم ، فأخرجت داود عن البيت ، وقالت : يا أبة إنّك لم تقتله ، وهذا داود ، وقال داود : قد علمت أن الشيطان قد زيّن لك هذا ، قال : وندم طالوت (٢).
قال : ونا إسحاق ، أنا ابن سمعان بن مكحول ، قال : زعم أهل الكتاب الأول أنّ طالوت طلب التوبة إلى الله ، وجعل يلتمس التّنصّل (٣) من ذلك الذنب إلى الله عزوجل ، وأنه أتى عجوزا (٤) من عجائز بني إسرائيل كانت تحسن الاسم الذي يدعى الله عزوجل
__________________
(١) بالأصل : واعلم.
(٢) انظر روايات أخرى لمحاولة طالوت قتل داود في الطبري ١ / ٢٧٩ والكامل لابن الأثير بتحقيقنا ١ / ١٥٣ ـ ١٥٤ والبداية والنهاية بتحقيقنا ٢ / ١١.
(٣) رسمها بالأصل : «النصمل» ولعل الصواب ما أثبت.
(٤) بالأصل : عجوز.