جاءه رجل فسأله عن الصيام ، فقال : لأحدّثنك حديثا هو عندي في التخت المخزون ، أو قال المخزوم ، إن أردت صيام داود خليفة الرّحمن كان من أعبد الناس ، وأشجع الناس ، وكان لا يفرّ إذا لاقى ، وكان يقرأ الزبور باثنين وسبعين صوتا لا يكون (١) فيهن ، فيقرأ قراءة يطرب منها المحموم ، وكان إذا أراد أن يبكي نفسه اجتمعت دواب البر والبحر حول محرابه فينصتن لقراءته ويبكين ، وكان يسجد لله عزوجل في آخر الليل سجدة يتضرّع فيها إلى الله عزوجل ، ويسأله حاجته ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ أفضل الصيام صيام أخي داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما» ، وإن أردت صيام ابنه سليمان ، وكان يصوم من أول الشهر ثلاثة أيام ، ومن أوسطه ثلاثة أيام ، ومن آخره ثلاثة أيام ، فكان يستفتح الشهر بالصّيام ووسطه بالصيام ويختمه بالصّيام ، وإن أردت صيام عيسى بن مريم فكان يصوم الدهر فلا يفطر ويقوم الليل ولا ينام ، وكان يلبس الشعر ، ويأكل الشعير ، ويبيت حيث أمسى ، ولا يحبس شيئا لغد ، وكان راميا ، إذا أراد الصيد لم يخطئه ، وكان يمر بمجالس بني إسرائيل ، فمن كانت له إليه حاجة قضاها ، وكان ينظر إلى الصّيد ، فإذا رآها قد غربت قام فصفّ بين قدميه ، ولا يزال قائما لله عزوجل حتى يراها حتى طلعت ، فكان هذا شأنه حتى رفعه الله إليه ، وانح أردت صيام أمّه مريم فإنها كانت تصوم يومين وتفطر يوما ، وإن أردت صيام خير البشر النبيّ العربيّ القرشيّ أبي القاسم صلىاللهعليهوسلم فكان يصوم في كل شهر ثلاثة أيام ويقول : «هي صيام الدهر ، وهي أفضل الصيام» ، كذا قال ، وأبو فضالة هو الفرج بن فضالة ، يرويه عن أبي هريرة ، عن صدقة [٥١٥٥].
أخبرنا أبو سعد البغداذي ، أنا المطهر بن عبد الواحد بن محمّد ، أنا أبو عمر عبد الله بن محمّد ، أنا عبد الله بن محمّد بن عمر الزهري ، ثنا عمي عبد الرّحمن بن عمر ، ولقبه رستة ، نا أبو قتيبة ، نا فرج بن فضالة ، عن أبي هريرة الحمصي ، عن صدقة الدمشقي ، عن ابن عباس قال :
كان عيسى بن مريم يصوم الدّهر ، ويلبس الشعر ، ويأكل الشعير ، يأكل ما وجد ، ولا يسأل عمّا فقد ، ليس له ولد يموت ، لا بيت يخرب ، حيث ما أواه الليل صفّ قدميه يصلّي حتى يصبح صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) كذا وفى مختصر ابن منظور ١١ / ٧٥ «يلوّن فيها» وهو أشبه.