واتفق الأمراء لما خلع الملك السعيد نفسه على إقامة بدر الدين سلامش ابن الظاهر بيبرس في المملكة ، ولقبوه العادل ، وعمره إذ ذاك سبع سنين وشهور ، ثم خلعوه وأجلسوا على تخت السلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي. ولما اضطرب أمر المملكة استأثر بالشام سنقر الأشقر الذي كان الظاهر اشترط على صاحب سيس أن يتوسط لدى ملك التتر لإطلاقه من الأسر ففعل ، ونسي سنقر هذه اليد للظاهر ، وجلس على سرير السلطنة بدمشق وحلف له الأمراء والعسكر وتلقب بالملك الكامل شمس الدين سنقر ، فجهز المنصور قلاوون عساكر الديار المصرية مع علم الدين سنجر ، فبرز سنقر بعساكر الشام إلى ظاهر دمشق ، والتقى الفريقان فولى الشاميون وسنقر منهزمين ، فجعل الأمير لاجين المنصوري نائب السلطنة بالشام ، وهرب سنقر الأشقر إلى الرحبة وكاتب أبغا بن هولاكو ملك التتر وأطمعه في هذه الديار ، وكان عيسى بن مهنا ملك العرب في الشام مع سنقر الأشقر وقاتل معه وكتب بذلك إلى أبغا أيضا ، موافقة له ، ثم سار سنقر الأشقر من الرحبة إلى صهيون واستولى عليها وعلى برزيه وبلاطنس والشغر وبكاس وعكار وشيرز وأفامية وصارت هذه القلاع له.
وأحرق (٦٧٧) عسكر الشام عمالة الغرب وجبيل وبيروت وذلك أن قطب الدين السعد بعد أن استقطع قرية كفر عمية من أمراء الغرب آل تنوخ وجد فيها ذات يوم مقتولا فاتهم بقتله نجم الدين بن جحى وكان أبوه وذو قرابته معتقلين في مصر فتوجهت اليه العساكر والعشران من ولاية بعلبك والبقاع وصيدا وبيروت وأحرقت قراه ، وتفرق التنوخيون أيدي سبا إلى أن أمنهم الملك فرجعوا إلى مساقط رؤوسهم.
وجاء التتر إلى حلب (٦٧٩) فعاثوا وقتلوا من كان بظاهرها وملكوا ضياعها ونهبوا وسبوا وأحرقوا الجامع والمدارس المعتبرة ودور السلطنة والأمراء وأقاموا بها يومين وعادوا من حيث أتوا ، فهب الملك المنصور قلاوون إلى غزة لدفعهم فرحلوا قبل أن يوافيهم ، قال ابن أبي الحديد : وكانت للتتر نهضات وسرايا كثيرة إلى الشام ، قتلوا ونهبوا وسبوا فيها حتى انتهت خيولهم إلى حلب ، فأوقعوا بها وصانعهم عنها أهلها وسلطانها ، ثم عمدوا إلى بلاد كي خسرو صاحب الروم فجمع لهم هذا قضه وقضيضه وجيشه ولفيفه ،