وكانوا على معرفة تامة بفتح المعاقل والحصون ، ومعرفة بعلل الحروب وقواعد السلم ، وإعطاء العهد وعقد الهدنة والصلح ، ورثوها واقتبسوها من أخلاق البانيين لمجدهم نور الدين وصنيعته صلاح الدين.
ومما أخر القضاء عشرات من السنين على بقايا الصليبيين في الساحل ظهور التتر في القطر بعد قضائهم في منتصف القرن السابع على الخلافة العباسية ، فأصبحت الشام بين عدوين أتى الأول من الغرب فأقام وطال مقامه ، وجاءها الثاني من الشرق ، والشر قد يأتي من الشرق ، فكان يخرب في أصقاعها ويغنم ويقتل ثم يذهب ثم يعاودها. ولكن ما حدث من حروب الخوارزمية ثم أخلاف هولاكو في هذا القطر يعدّ مناوشات إذا قيس بالحروب والخراب الذي حدث بعد ذلك فأهلك الأخضر واليابس ، وغدا القطر غرض النابل ، وفريسة الصائل.
وفي التاريخ العام أنه كان من نتائج الحروب الصليبية إذا صرف النظر عمن هلك فيها من ملايين الخلق ، إحداث إمارات كاثوليكية في الشرق انتزعت من المسلمين والبيزنطيين واحتلها فرسان فرنسيون وتجار طليان. وقد طرد هؤلاء الأوروبيون لقلتهم بدون أن يتركوا سوى آثار معاقلهم في المواني وعلى صخور يونان والشام ، ولكن هيأ الصليبيون لنصارى أوربا أن يكونوا على صلات متصلة مع الشرق مدة قرنين اه قلنا : وهذه النتيجة من ربط الصلات مع الشرق كان يتأتى لأوروبا الحصول عليها بدون إهراق هذه الدماء وإتلاف الأموال العظيمة وغرس البغضاء في نفوس من نزلوا عليهم.
وفي تاريخ الشعوب العام أن من جملة فوائد الحروب الصليبية أنها أوقفت سير المسلمين نحو أوروبا ، وقربت بين شعوب أوروبا وجمعتهم تحت لواء واحد وأشعرت قلوبهم حب الوحدة الأدبية وساعدت على إيجاد فكرة أوربية. وأخذ المسلمون والنصارى يعرف كل منهم الآخر ويعرفون كيف يحترم بعضهم بعضا ، وعقدت بينهم المعاهدات والصلات خلال المهادنات والانقطاع عن استعمال السلاح. وقد جهز ريشاردوس فئة من العرب جعلهم فرسانا ، وعقد أنكحة بين الطائفتين ودخل التسامح المتبادل في الأخلاق. وما خلت الصناعات والهندسة والفنون والأزياء واللباس والفنون الحزبية من تأثيرات الشرق وقد دخلت المدنية الشرقية في مدنية الغرب دون أن تستغرقها أه.