وفي هذه الأثناء ركب عسكر طرابلس على النائب وقتلوا من أمراء طرابلس جماعة ، وركب مماليك نائب حماة مع عسكر حماة وأرادوا قتله فهرب إلى دمشق ، فوقعت الفتنة. ولما تحقق برقوق أن المملكة افتتنت خاف وأمر نائب القلعة بمصر بأن يضيق على الخليفة ويمنعه من الاجتماع بالناس ، وكان مسجونا بالقيد في برج القلعة ، وأصدر أمره بالتضييق على السادة أولاد السلاطين في دور الحرم ، ووصلت التجريدة من مصر إلى دمشق والتقى عسكر مصر مع عسكر يلبغا الناصري فأوقعوا معه بظاهر دمشق واقعة عظيمة حتى جرى الدم بينهم وقتل من الفريقين كثيرون ، فانكسر عسكر السلطان وانتصر عليهم يلبغا ، ثم جيش يلبغا وساق جيشه إلى مصر فالتف أكثر أمراء مصر عليه وقاتل قليلا حتى اضطر السلطان برقوق إلى ترك سرير السلطنة وأعيد الملك الصالح أمير حاج بن الأشرف شعبان سلطانا على مصر والشام ، وأخذ الظاهر برقوق إلى قلعة الكرك فسجن فيها ثم انتدبوا لقتله رجلا فقتل الرجل ، واستولى برقوق على القلعة بعد أن قاسى من المحن أمرا عظيما ، وأتاه مماليكه الذين كانوا بقوص وقتلوا واليها والتحقوا به ، والتف عليه العربان وقصد دمشق فجاءه نائب غزة في خمسة آلاف مقاتل فأوقعوا مع الظاهر برقوق وقعة عظيمة انكسر فيها نائب غزة ، فنهب عسكر برقوق عسكر غزة فتقووا بتلك الغنيمة ، وكان الظاهر كلما مر بقرية يخرج اليه أهلها ويلاقونه ومعهم العلف والضيافة ، ولما بلغ برقوق قرية شقحب خرج إليه عسكر دمشق فتقاتلوا فقتل من أمراء دمشق ستة عشر أميرا ، ومن المماليك نحو خمسين مملوكا ، وقتل من عسكر برقوق نحو ذلك.
وصادف أن خرج عن الطاعة كمشبغا الحموي نائب حلب واستولى أبناء اليوسفي على قلعة صفد وهو من جماعة الظاهر فقويت شوكته ودخل الظاهر برقوق دمشق ، ونزل في الميدان فكبس عليه أهل دمشق وأخرجوه من المدينة إلى ظاهر البلد ، لأن بعض مماليكه عبث ببعض السوقة وأخذ منه شيئا من البضائع بالغصب فاستغاث ذلك السوقي فحضر إليه جماعة وتعصبوا له فاستطال ذلك المملوك وضربهم فرجمه أهل دمشق ، فرمى المماليك على عوام دمشق بالنشاب ، وتكاثرت على المماليك العوام بالحجارة والمقاليع ،