بعساكرهم ، وخرج لقتال تيمور حتى النساء والصبيان من أهل حلب ، وأوقعوا مع تيمور فكان بينهم ساعة تشيب منها النواصي ، وقد دهمتهم عساكر تيمور كأمواج البحر المتلاطمة، فلم تثبت معهم عساكر حلب وولوا على أعقابهم مدبرين إلى المدينة ، وقد داست حوافر الخيل أجساد العامة ، وكان احتمى بالمزارات والمساجد الجم الغفير من النساء والأطفال ، فدخل التتر إليهم وأسروهم وقرنوهم بالحبال وأسرفوا في قتل النساء والرجال ، وصارت الأبكار تفتض في المساجد وآباؤهن يشاهدونهن ، ولم يرعوا حرمة الجوامع وأصبحت كالمجزرة من القتلى واستمر ذلك أربعة أيام.
وفي كنوز الذهب أن جيش تيمور لنك لما دخل إلى حلب نهب وأحرق وسبى وقتل وصاروا يأخذون المرأة ومعها ولدها الصغير على يدها فيلقونه من يدها ويفعلون بها ما لا يليق ذكره ، فلجأ النساء عند ذلك إلى جامعها ظنا منهن أن هذا يقيهن من أيدي الكفرة وصارت المرأة تطلي وجهها بطين أو بشيء حتى لا ترى بشرتها من حسنها ، فيأتي عدو إلله إليها ويغسل وجهها ويجامعها في الجامع. قال : وحكى بعض من حضر الوقائع بأن تيمور عرض الأسرى من ديار الشام ونواحيها فكانوا ثلاثمائة ألف أسير وستين ألف أسير.
رأى دمرداش نائب حلب عين الغلب فنزل من القلعة هو وبقية النواب ، وأخذوا في رقابهم مناديل وتوجهوا إلى تيمور لنك يطلبون منه الأمان ؛ فلما مثلوا بين يديه خلع عليهم أقبية مخمل أحمر وألبسهم تيجانا مذهبة ، وقال لهم : أنتم صرتم نوابي ، ثم أرسل معهم جماعة من أمرائه يتسلمون القلعة ، وكان فيها من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب الفاتح من كثرته ، حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال : ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر ، فاستنزلوا ما كان بها وهم في قيود وغدر بهم بعد أن أمنهم ، وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والمتاع ثم خرب القلعة وأحرق المدينة. واستمر مقيما على حلب نحو شهر ، وعسكره ينهبون القرى التي حول المدينة ويقطعون الأشجار التي بها ويهدمون البيوت، وقد أسرفوا في القتل ونهب الأموال ، وصارت الأرجل لا تطأ إلا على جثة إنسان لكثرة القتلى ، حتى قيل : إنه بنى من رؤوس القتلى عشرة مآذن ، دور كل مئذنة نحو عشرين ذراعا، وصعودها