منهم جماعة من شدة السوق والتعب. ووصل الناصر إلى اللجون (٨١٥) فتلاقى والنواب بعد العصر وكان الناصر قد اصطبح وهو لا يعي من شدة السكر فأراد الكبس على النواب في تلك الساعة فمنعه الأمراء فأبى ، فلما رأوا ذلك تسحبوا من عنده مع عسكره فلم يبق معه إلا القليل من العسكر فكبس على النواب فانكسر الناصر وهرب بمن بقي معه من العسكر إلى نحو دمشق ، واستولى شيخ ونوروز على أثقاله وخزائن المال وانتصرا عليه.
فلما دخل شيخ ونوروز إلى دمشق طلعا إلى دار السعادة واجتمع هناك الأمراء وأحضروا القضاة الأربعة ورسموا بأن يكتبوا محضرا بأفعال الناصر بأنه سفاك للدماء مدمن للخمر فكتبوا محضرا بذلك وشهد فيه جماعة كثيرة من أعيان الناس ، ثم خلعوا الناصر من السلطنة واشتوروا فيمن يولونه فقال نوروز لشيخ : لا أنا ولا أنت نتسلطن. ولكن اجعلوا الخليفة العباسي هذا هو السلطان ، ويكون الأمير شيخ أتابك العساكر ومدبر المملكة في مصر ، ويكون الأمير نوروز نائب الشام ويحكم في الديار الشامية من غزة إلى الفرات ، يولي من يختار ويعزل من يختار ، فتراضوا على هذا وحلف جميع الأمراء وتعاهد شيخ ونوروز ثم سلطنوا الخليفة واستمر نوروز الحافظي نائب الشام.
وأما ما كان من أمر الناصر فرج بعد الكسرة التي وقعت له على اللجون فإنه ولى منهزما إلى نحو دمشق ، وأرسل إلى شيخ يطلب منه الأمان ، وكان نوروز صهر الناصر زوج أخته ، فلو طلب منه الأمان أولا لما أصابه شيء ولكن قصد شيخا فأرسل إليه من قيده وأحضره إلى السجن بقلعة دمشق ، ثم إنهم أثبتوا عليه الكفر كما قيل ودخل عليه بعد أيام جماعة من الفداوية وقتلوه بالخناجر وهو بالبرج بقلعة دمشق ، وألقوه على مزبلة خارج البلد وهو عريان مكشوف الرأس ، ليس عليه غير اللباس في وسطه ، وصار الناس يأتون إليه أفواجا ينظرون إليه ، ولو أمكن مماليك أبيه أن يحرقوه لفعلوا به ذلك مما قاسوه منه فأقام على ذلك ثلاثة أيام ثم دفنوه «وكانت الدنيا على أيامه حائلة وحقوق الناس ضائعة ، وقد خرب غالب البلاد الشامية في أيامه من تيمور لنك ومن عصيان النواب وخربت أوقاف الناس في الشام ، وكم قتل من أبطال ويتم من أطفال ، وجرت في أيامه أمور شتى يطول شرحها» قال المقريزي :