وفساد شروط الهدنة المستقرة بين صاحب دمشق وبينهم ، وكانوا يعيثون في عمل دمشق ، ويفحشون في التخريب ويمعنون في الغارة ، فأغار عليهم العسكر الشامي والتركماني والأعراب إلى أن اضطروا إلى تجديد الهدنة مع صاحب دمشق سنتين. وأغار صاحب أنطاكية على الأعمال الحلبية فدفعه نور الدين صاحبها ، وكان عسكر نور الدين يناهز الستة آلاف فارس سوى الأتباع والسواد ، والفرنج في زهاء أربعمائة فارس طعانة وألف راجل مقاتلة سوى الأتباع ، فلم ينج منهم إلا نفر يسير ثم نزل نور الدين في العسكر على باب أنطاكية وقد خلت من حماتها فاستمال أهلها في التسليم فأمهلوا ، ثم نهض إلى أفامية فسلم الفرنج إليه البلد بعد حصارها واجتمع من بالشام من الفرنج وساروا نحو نور الدين ليرحلوه عنهم ، فلم يصلوا إلا وقد ملك حصن أفامية وملأه ذخائر وسلاحا ورجالا ، واقتضت الحال بعد ذلك مهادنة من في أنطاكية وتقرر أن يكون ما قرب من الأعمال الحلبية لنور الدين ، وما قرب من أنطاكية لهم. وقد عاون نور الدين في هذه الوقعة الأمير بزان في عسكر دمشق وعسكر أخيه سيف الدين غازي والجزيرة ، وقتل من الفرنج ألف وخمسمائة وأسر مثلهم ، وقتل البرنس وحمل رأسه إلى نور الدين. قال العماد : وكانت هذه الكسرة على إنب ، وإنب حصن من أعمال عزاز.
وظهرت الفرنج في الأعمال الدمشقية للعيث فيها واتصل بنور الدين إفسادهم في الأعمال الحورانية بالنهب والسبي فعزم على التأهب لقصدهم فسار وكف أيدي أصحابه عن العيث والفساد في الضياع ، وأمر بإحسان الرأي في الفلاحين والتخفيف عنهم. وكتب إلى دمشق يستدعي منهم المعونة على ذلك بألف فارس ، وقد كان رؤساؤها عاهدوا الفرنج أن يكونوا يدا واحدة على من يقصدهم من عساكر المسلمين فاحتج عليه وغولط ، فلما عرف ذلك رحل ونزل بمرج يبوس وبعض العسكر بيعفور ، ثم رحل من منزله بالأعوج ونزل على جسر الخشب المعروف بمنازل العسكر ، وراسل مجير الدين والرئيس بدمشق بأنه لم يقصد محاربتهم وإنما دعاه إلي ذلك كثرة شكاية المسلمين من أهل حوران والعربان وعجز أمراء دمشق عن حفظ أعمالها واستصراخهم بالفرنج على محاربته ، وبذلهم لهم أموال الضعفاء والمساكين من الرعية ظلما لهم ، فكان الجواب عن هذه الرسالة «ليس بيننا وبينك إلا السيف وسيوافينا من الفرنج ما يعيننا على دفعك إن