والنيرب في سفح قاسيون ، وكمنوا عند الجبل لعسكر دمشق ، ثم وصل نور الدين في جنده ونزل على عيون فاسريا بين عذراء ودومة ، وامتد عسكره إلى ضمير ونزلوا في أرض حجيرا وراوية في خلق كثير ، ثم نزل في أرض مشهد القدم وما والاه من الشرق والغرب ، وكان منتهى الخيم إلى المسجد الجديد قبلي البلد أي أن العسكر النوري أحاط بدمشق من أطرافها الأربعة فنزل كما قال المؤرخ منزلا ما نزله أحد من مقدمي العساكر فيما سلف من السنين ، وأرسل نور الدين إلى مجير الدين يقول : «كنت اتفقت معكم وحلفت لكم ، والآن قد صح عندي أنكم ظاهرتم الفرنج فإن أعطيتموني عساكركم لأجاهد في سبيل الله رجعت عنكم» فلم يرد جوابا. وجرى بين أوائل العسكر وبين من ظهر إليه من البلد مناوشات ولم يزل نور الدين مهملا للزحف على البلد إشفاقا من قتل النفوس وإثخان الجراح في مقاتلة الجهتين حتى انطلقت أيدي المفسدين من الفريقين في العيث ، وحصدت زراعات المرج والغوطة وضواحي البلد ، وخربت مساكن القرى ونقلت أنقاضها إلى البلد ، وزاد الإضرار بأربابها من التنّاء والفلاحين وتزايد طمع الرعاع والأوباش في التناهي والفساد ، ثم رحل العسكر النوري ونزل في أراضي فذايا وحلفبلتا المصاقبة للبلد ، ونشبت المطاردة وكثرت الجراح في خيالة البلد ورجالته ، ثم رحل نور الدين إلى ناحية داريا لتواصل الإرجاف بقرب عسكر الفرنج من البلد للإنجاد ليكون قريبا من معابرهم ، وبعد ذلك رحل إلى ناحية الزبداني استجرارا لهم ، وجعل من عسكره أربعة آلاف فارس ليكونوا في أعمال حوران مع العرب لقصد الفرنج ولقائهم ، ونزل الفرنج على نهر الأعوج ، وخرج مجير الدين ومؤيده في خواصهما واجتمعا بملكهم وما صادفوا عنده شيئا مما هجس في النفوس من كثرة ولا قوة ، وتقرر بينهم النزول بالعسكرين على حصن بصرى لتملكه واستغلال أعماله. ثم رحل عسكر الفرنج إلى رأس الماء ولم يتهيأ خروج العسكر الدمشقي إليهم لعجزهم واختلافهم ، وقصد من كان بحوران من العسكر النوري ومن انضاف إليهم من العرب ناحية الفرنج للإيقاع بهم فالتجأ عسكر الفرنج إلى اللجاة للاعتصام بها. ثم زحف نور الدين على دمشق وقد رأى خيانة صاحبها ومماشاته للفرنج حرصا على هذه العاصمة من السقوط في يد العسكر النوري البالع ثلاثين ألفا يزداد كل يوم قوة وعسكر دمشق ضعفا. وتحرج نور الدين من