فامتثل هذا أمره ، وانقطعت أحكام السلطنة عن هذه الديار نحو سنتين ، وكان ابن سيفا بعد أن غلبه ابن جانبولاذ على دمشق ونهب ولايته التجأ إلى أحمد بن طرباي الحارثي أمير لواء اللجون. قال القرماني : إن ابن جانبولاذ لما ولي حلب جمع كل شقي من القبائل والعشائر ، ليأخذ ثأره من جماعة الإنكشارية فالتقوه في مدينة حماة ومعهم محمد باشا الطواشي نائب دمشق وعامة الجيوش من الكماة ، فانهزم عسكر الدولة واستمر ابن جانبولاذ في أثرهم إلى حدود دمشق فاستقبله الأمير فخر الدين بن معن بمن معه من الدروز وطائفة السكمانية ، ثم التقى ابن جانبولاذ مع العساكر الشامية فاستولى على أموالهم.
ولما حدث ما حدث من الفتن والغوائل عهد السلطان إلى مراد باشا أن يعيد الشام إلى حكم الدولة لأنه ثبت أنه خرج عن حكمه ، فجاء في عشرين ألف فارس وعشرين ألف راجل وقيل في أكثر من ذلك ، فبرز إليه ابن جانبولاذ في أربعين ألفا فغلب ابن جانبولاذ وهرب إلى الاستانة وأقنع السلطان بحسن حاله ، وجاء مراد باشا بعد أن كسر ابن جانبولاذ في سهل الروج قرب المعرة وقتل من جماعته أحد وعشرين ألفا وتسلم قلعتها بالأمان ، وبالغ في قطع شأفة الأشقياء والسكبانية. وكان علي باشا جانبولاذ لما انكسر مع مراد باشا حصن قلعة حلب ورفع إليها عياله وأسبابه وولى عليها أطلي طوماش باشا وأمره بحفظها لمدة ثلاثة أشهر ريثما يرجع إليه بالنجدة من سلطان العجم ، ثم تجهز للسفر وحال خروجه من أراضي حلب وصل مراد باشا الوزير ومعه أحمد باشا حافظ الشام ويوسف باشا سيفا وشددوا الحصار على حلب وافتتحوها ، ووعد أطلي طوماش بالنيابة على حلب فاطمأن وسلم القلعة ثم قبض عليه وقتله وضبط القلعة ، وباع عيال علي باشا جانبولاذ بيد الدلال فبيعت والدته بثلاثين قرشا ، ثم وقعت المناداة على المحافظين فقتلوهم في أماكن مختلفة وأتوا برؤوسهم إلى الوزير ولم ينج منهم إلا القليل ، وكان الرجل يقتل العشرة منهم ، ومهد الوزير أمور حلب وخدمته أمراء العرب. وقالوا : إن الأمير فخر الدين فرّ إلى البادية في جماعة الدروز والعربان بعد تلك الوقائع لأنه أعان الخوارج على السلطنة. وللقيم محفوظ الدمشقي مرتجلا