قرا أرسلان صاحب حصن كيفا وحاصر الرّها وملكها وسلمها إلى كوك بوري ثم أخذ الرقة وقرقيسيا وماكسين وعربان والخابور جميعا ثم ملك نصيبين وقلعتها ثم حصر الموصل وبها صاحبها عز الدين مسعود ومجاهد الدين قيماز وقد شحنت رجالا وسلاحا وحاصر سنجار وملكها وأتاه الخبر أن الفرنج قصدوا دمشق ونهبوا القرى ووصلوا إلى داريا وأرادوا تخريب جامعها فأرسل النائب بدمشق إليهم جماعة من النصارى يقول لهم : إن أخربتم الجامع جددنا عمارته وأخربنا كل بيعة لكم في أرضنا ولا نمكن أحدا من عمارتها فتركوه.
قصد الفرنج المقيمون بالكرك والشوبك المسير لمدينة الرسول لينبشوا قبره الشريف وينقلوا جسده الكريم إلى بلادهم ويدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلا بجعل فأنشأ البرنس أرناط صاحب الكرك أسطولا في بحر أيلة (العقبة) وجعله فرقتين فرقة حصرت حصن أيلة وفرقة سارت نحو عيذاب يفسدون في السواحل بغتة ، ولم يعهد بهذا البحر فرنج قط ، فعمر الملك العادل أبو بكر بن أيوب نائب الناصر بمصر أسطولا في بحر عيذاب وأرسل به مع حسام الدين لؤلؤ الحاجب متولي الأسطول بمصر ، فأوقع لؤلؤ بمحاصري أيلة فقتل وأسر ، ثم طلب الفرقة الثانية وقد عزموا على دخول المدينة ومكة فبلغ رابغ ، فأدركهم بساحل الحوراء وقاتلهم أشد قتال فقتل أكثرهم وأسر الباقين وأرسل بعضهم إلى منى لينحروا بها وعاد بالباقين فقتلوا عن آخرهم بمصر.
وملك صلاح الدين آمد (٥٧٩) وكان وعد بها محمد بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا وسقط فيها على خزانة كتب فيها ألف ألف وأربعون ألف كتاب فوهبها لوزيره القاضي الفاضل فانتخب منها حمل سبعين جملا ، وكان فيها من الذخائر ما يساوي ثلاثة آلاف ألف دينار ، فوهبها لابن قرا أرسلان هذا ، فلما قيل له في ذلك قال : لا أضن عليه بما فيها من الأموال فإنه قد صار من أتباعنا وأصحابنا ونحن إنما نريد أن يسير الناس معنا على قتال الأعداء فقط ، وليس قصدنا من الفتح البلاد بل العباد ، هذا وبعد مدة قلّ المال لنفقة الجند فاستدان صلاح الدين من أخيه العادل ١٥٠ ألف دينار لإطعامهم. وفتح صلاح الدين تل خالد من أعمال حلب ثم عينتاب ثم تسلم بعد المحاصرة حلب من زنكي بن مودود وأعطاه سنجار ، وشرط عليه الحضور إلى خدمته بنفسه وعسكره إذا