ومياهها الداخلة إليها وانقطعت عن أهلها الميرة وضجوا ، بعث العادل إلى الظاهر يقول له : أنا أسلم إليك دمشق على أن تكون أنت السلطان وتكون دمشق لك لا للأفضل ، فطمع الظاهر وأرسل إلى الأفضل يقول : أنت صاحب مصر فآثرني بدمشق. فقال : دمشق لي من أبي وإنما أخذت مني غصبا فلا أعطيها أحدا ، فوقع الخلف بينهما ووقع التقاعد. وكان إلقاء الخلف بين الأخوين من جملة دهاء عمهما ،
ودخلت سنة (٥٩٦) والأفضل والظاهر يحاصران دمشق ، وقد أحرق جميع ما هو خارج باب الجابية من الفنادق والحوانيت ، وأحرق النيرب وأبواب الطواحين ، وقطعت الأنهار وأحرقت غلة حرستا في بيادرها ، وحفر على دمشق خندق من أرض اللّوان إلى أرض يلدا شرقا احترازا من مهاجمة من بدمشق لهما ، ولما تغير الظاهر على أخيه الأفضل ترك قتال العادل ، فظهر الفشل في العسكر ، فتأخر الأفضل والظاهر عن دمشق وأقاما بمرج الصّفّر ، ثم سار الأفضل إلى مصر والظاهر إلى حلب ، ولما تفرقا خرج العادل من دمشق وسار في أثر الأفضل الى مصر ، وضرب مع الأفضل مصافا فانكسر الأفضل وانهزم إلى القاهرة ، ونازلها العادل ثمانية أيام ، فأجاب الأفضل إلى تسليمها ، على أن يعوض عنها ميافارقين وخاني وسميساط ، فأجابه العادل إلى ذلك ولم يف له به ، ثم سار الأفضل إلى صرخد وأقام العادل بمصر على أنه أتابك الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان مدة يسيرة ، ثم أزال العادل الملك المنصور ، واستقل العادل في السلطنة ، فقطع أولا خطبة ولد العزيز بعد أن جمع الفقهاء وقال هل يجوز ولاية الصغير على الكبير فقالوا : الصغير مولى عليه وقال : فهل يجوز لكبير أن يولي عليه وينوب عنه قالوا : لا لأن الولاية من الأصل إذا كانت غير صحيحة فكيف تصح النيابة. فقطع خطبة ابن العزيز وخطب لنفسه ولولده الكامل محمد من بعده ، وكان ذلك على الحقيقة مبدأ سلطنة العادل الكبرى ، فإن استئثاره بالخطبة والسكة في مصر سهل عليه فيما بعد ملك الشام وما إليها من ديار الشرق.
لما تم الأمر بمصر للعادل كاتب الظاهر صاحب حلب عمه الملك العادل (عمه بالمعنيين شقيق أبيه وأبو امرأته) وصالحه وخطب له بحلب وأقاليمها وضرب السكة باسمه ، واشترط العادل على صاحب حلب أن يكون خمسمائة فارس من خيار