نحو ستة أميال ، وهو الموضع الذي غرق فيه فرعون ، وبقرب تاران موصع يعرف بجبيلات ، يهيج وتتلاطم أمواجه باليسير من الريح ، وهو موضع مخوف أيضا ، فلا يسلك بالصبا مغرّبا وبالدبور مشرّقا ، وإذا حاذى أيلة ففيه سمك كثير مختلف الألوان ، فإذا قابل بطن اليمن سمى بحر عدن إلى أن يجاوز عدن ثم يسمى بحر الزنج ، إلى أن يحاذى عمان عاطفا على فارس ، وهذا بحر يعرض حتى يقال إن عبره إلى بلد الزنج سبعمائة فرسخ ، وهو بحر مظلم أسود لا يرى مما فيه شىء ، وبقرب عدن معدن اللؤلؤ يخرج ما يرتفع منه إلى عدن وإذا جزت عمان إلى أن تخرج عن حدود الإسلام ، وتتجاوزه إلى قرب سرنديب يسمى بحر فارس ، وهو عريض البطن جدا ، فى جنوبه بلدان الزنج ، وفى هذا البحر هوّارات كثيرة ومعاطف صعبة ، ومن أشدها ما بين جنابة والبصرة ، فإنّه مكان يسمى هور جنّابة ، وهو مكان مخوف لا تكاد تسلم منه سفينة عند هيجان البحر ، وبها مكان يعرف بالخشبات ، من عبّادان على نحو ستة أميال ، على جرى ماء دجلة إلى البحر ، ويرقّ الماء حتى يخاف على السفن الكبار ، إن سلكته أن تجلس على الأرض إلا فى وقت المدّ ، وبهذا الموضع خشبات منصوبة قد بنى عليها مرقب يسكنه ناظور ، يوقد بالليل ليهتدى به ويعلم به المدخل إلى دجلة ، وهو مكان مخوف إذا ضلت السفينة فيه خيف انكسارها لرقة الماء ، وبحذاء جنّابة مكان يعرف بخارك وبه معدن اللؤلؤ ، يخرج منه الشيء اليسير ، إلا أن النادر إذا وقع من هذا المعدن فاق فى القيمة غيره ، ويقال إن الدرّة اليتيمة تقع من هذا المعدن ، وبعمان وبسر نديب فى هذا البحر معدن لؤلؤ ، ولا أعلم معدنا للؤلؤ إلا ببحر فارس ، ولهذا البحر مدّ وجزر فى اليوم والليلة مرتان ، من حد القلزم إلى حد الصين حيث انتهى ، وليس لبحر المغرب ولا لبحر الروم ولا لسائر البحار مدّ ولا جزر غير بحر فارس ، وهو أن يرتفع الماء قريبا من عشرة أذرع ، ثم ينضب حتى يرجع إلى مقداره ، وفى هذا البطن من البحر الذي نسبناه خصوصا إلى فارس جزائر ، منها لافت وخارك وأوال وغيرها من الجزائر المسكونة ، وبها مياه عذبة وزرع وضرع ، فهذه جوامع من صفة هذا البحر من حدود الإسلام.
وسأصف ما على سواحله صفة جامعة ، نبتدئ منها بالقلزم ثم تنتهى إلى جنباته إن شاء الله. وأما القلزم (١) فإنّها مدينة على شفير البحر ، وينتهى هذا البحر إليها ، وهى فى عطف هذا البحر فى آخر لسانه ، وليس بها زرع ولا شجر ولا ماء ، وإنما يحمل لهم من آبار ومياه بعيدة منهم ، وهى تامة العمارة بها فرضة مصر والشام ، ومنها تحمل حمولات الشام ومصر إلى الحجاز واليمن وسواحل هذا البحر ، وبينها وبين فسطاط مصر مرحلتان ، ثم ينتهى على شط البحر فلا تكون بها قرية ولا مدينة ، سوى مواضع فيها ناس مقيمون على صيد من هذا البحر
__________________
(١) هى مدينة السويس.