من شرح الثمرة لبطليموس (١) الحكيم ذكر في تفسير الكلمة الأخيرة التي يقول في أولها" النيازك" أنّ : " النّيازك شهب تظهر في الجو ليلا وتتساقط سقوط النجوم. وهي تدل على جفاف الأبخرة ، فإذا كانت في جهة واحدة دلت على رياح تعرض في تلك الجهة ، وإذا كانت شائعة في الجهات كلها دلت على جفاف الأرض ويبوسة الهواء وقلة وقوع الأمطار. ونتج من ذلك نقصان في فيض النيل".
وعندي أن هذا التعليل يقارب الصدق ، فإن أصل المطر بخار يتصاعد من الأراضي الرطبة ومستنقعات المياه ومن الأنهار (٢) والبحار بشدّة حرارة الشمس. ثم يتكاثف في الجوّ ، ويتكوّن منه الندى والمطر. وذلك أن البخار يعلو في الهواء ويتكاثف ويستحيل غيوما. وهذه الغيوم لا تبعد أن تذهب بها الرّيح إلى طبقات الهواء ، فتبرد في الكليّة ، وتستحيل إلى ماء ، وتنصبّ مطرا. وما كان من هذه الغيوم دفع إلى أعلى الجبال الشامخة ، وانحدر إليها ثلجا ، ومنه تتكون كثبان الجليد المخلّدة. ومن هذه الثلوج وهذه الأمطار تتولد العيون ، وتتربى السواقي ، والبرك والأنهر. ثم تسقي الأراضي وينصبّ ما فضل عنها إلى البحار. وهناك تستحيل من جديد إلى بخار ، وترجع إلى سيرتها (٣) الأولى. وهذا الترتيب يدوم بلا انقطاع ما دامت الشمس والأرض على الحالة التي هما فيها الآن.
ولما فرغ السلطان من الفرجة على زيادة النيل سار به رجال الدولة المصرية إلى قصر جميل كانوا قد أعدوه لسكناه : وهي دار كبيرة ذات طبقات عديدة مزخرفة ومفروشة بأثاث فاخر ومزينة بثريات جميلة وقناديل كبيرة ، وفيها من الكراسي والأسرّة المموّهة بالذهب إلى غير ذلك مما يليق بمقام الملوك. وحول الدار جنينة واسعة ذات أشجار عالية وأزهار نضرة.
__________________
(١) قلاوديوس (٩٠ م ـ ١٦٨ م) فلكي ورياضي وجغرافي يوناني. ترجم العرب آثاره ونقدوه وأصلحوا ما فيها من أخطاء.
فصل : Batlamiyus : E.I.٢ : ١ / ٠٠١١ (PLESSNER)
(٢) أ ، ب : النهر
(٣) أ : سفرتها