عثمان لأمّه ـ والمفتاح يومئذ عندها ـ : يا أمّه ، أعطني المفتاح ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أرسل إليّ وأمرني أن آتي به إليه ، فقالت أمّه : أعيذك بالله أن تكون الذي تذهب مأثرة قومه على يديه ، قال : فو الله لتدفعيه أو ليأتينك غيري فيأخذه منك ، فأدخلته في حجزتها (١) وقالت : أي رجل يدخل يده هاهنا؟ فبينما هما على ذلك وهو يكلّمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر في الدار ، وعمر رافع صوته حين رأى إبطاء عثمان : يا عثمان اخرج ، فقالت أمّه : يا بنيّ خذ المفتاح ، فإن تأخذه أنت أحبّ إليّ من أن تأخذه تيم ، وعدي ، قال : فأخذه عثمان ، فأتى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فناوله إيّاه ، فلما ناوله إيّاه بسط العباس بن عبد المطلب يده فقال : يا نبي الله ، بأبي أنت ، أجمع لنا الحجابة والسّقاية ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيكم ما ترزءون فيه ، ولا أعطيكم ما ترزءون منه».
قال الواقدي (٢) : وقد سمعت أيضا في قبض المفتاح بوجه آخر : حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :
أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح على بعير لأسامة بن زيد ، وأسامة رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومعه بلال ، وعثمان بن طلحة ، فلما بلغ رأس الثنية أرسل عثمان فجاءه بالمفتاح ، فاستقبله به ، قالوا : وكان عثمان قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص مسلما قبل الفتح ، فخرج معنا من المدينة.
قال أبو عبد الله : وهذا أثبت الوجوه.
وقالوا (٣) : إن عمر بن الخطّاب بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من البطحاء ومعه عثمان بن طلحة ، وأمره أن يتقدم فيفتح البيت ، فلا يدع فيه صورة إلّا محاها ، ولا تمثالا إلّا صورة إبراهيم ، فلما دخل الكعبة أتى صورة إبراهيم شيخا يستقسم بالأزلام. ويقال : أمره أن لا يدع فيها صورة إلّا محاها ، فترك عمر صورة إبراهيم ، فلمّا دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى صورة إبراهيم ، فقال : «يا عمر ، ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة إلّا محوتها؟» فقال عمر : صورة كانت صورة إبراهيم ، قال : «فامحها» [٧٧١١].
قال الواقدي (٤) : ثم نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه المفتاح ، فتنحّى ناحية من المسجد ، فجلس ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد قبض السقاية من العباس ، وقبض المفتاح من عثمان ، فلما
__________________
(١) حجزة السراويل : التي فيها التكة.
(٢) مغازي الواقدي ٢ / ٨٣٣ ـ ٨٣٤.
(٣) مغازي الواقدي ٢ / ٨٣٤.
(٤) مغازي الواقدي ٢ / ٨٣٧.