العابد جمال الدين الحويزاي شيخ خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة.
ثم سافرنا منها قاصدين الكوفة في برّيّة لا ماء بها إلّا في موضع واحد يسمى الطرفاوي (١٦٥) وردناه في اليوم الثالث من سفرنا ، ثم وصلنا بعد اليوم الثاني من ورودنا عليه إلى مدينة الكوفة(١٦٦).
مدينة الكوفة
وهي إحدى أمّهات البلاد العراقيّة ، المتميّزة فيها بفضل المزيّة ، مثوى الصحابة والتابعين ، ومنزل العلماء والصالحين ، وحضرة عليّ بن أبي طالب أمير المومنين ، الّا أن الخراب قد استولى عليها بسبب أيدي العدوان التي امتدّت اليها وفسادها من عرب خفاجة المجاورين لها ، فانّهم يقطعون طريقها ، ولا سور عليها ، وبناؤها بالآجر ، واسواقها حسان وأكثر ما يباع فيها التمر والسمك ، وجامعها الأعظم جامع كبير شريف ، بلاطاته سبعة قائمة على سواري حجارة ضخمة منحوتة ، قد صنعت قطعا ، ووضع بعضها على بعض وافرغت بالرصاص وهي مفرطة الطول. وبهذا المسجد آثار كريمة فمنها بيت إزاء المحراب عن يمين مستقبل القبلة ، يقال : إن الخليل ، صلوات الله عليه ، كان له مصلّى بذلك الموضع ، وعلى مقربة منه محراب محلّق عليه بأعواد الساج مرتفع وهو محراب عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه ، وهنالك ضربه الشّقي ابن ملجم (١٦٧) والناس يقصدون الصلاة به ، وفي الزاوية من آخر هذا البلاط مسجد صغير محلّق عليه ايضا بأعواد الساج يذكر أنه الموضع الذي فار منه التنّور حين طوفان نوح عليهالسلام (١٦٨) ، وفي ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنّه بيت
__________________
(١٦٥) كان على ابن بطوطة أن يقطع نهر دجلة في بعض النقاط الواقعة بين الحويزاء ، وبين الكوفة وعن الاسم (الطرفاوي) لم يكن في الاستطاعة تحديده ...
(١٦٦) أسست مدينة الكوفة كحامية عام ١٧ ٦٣٨ من قبل العرب بعد فتح العراق ، كما هو الامر بالنسبة للبصرة ، وقد اختارها الامام علي كعاصمة للخلافة عوض المدينة ٣٥ ٦٥٦ ، وفيها اغتيل عام ٤١ ٦٦١ وقد بني سورها من لدن المنصور العباسي ، كانت المنطقة تنتج القطن والحبوب ، وسكانها كانوا حسب مستوفي ، شيعة ... وإن معظم ما ورد في وصفها من قبل الرحالة المغربي مستمد من ابن جبير الذي زارها عام ٥٨٠ ١١٨٤ ...
(١٦٧) كان الامام علي رضياللهعنه قضى في النهروان عام ٣٨ ٦٥٨ على عدد كبير من الخوارج الذين امتنعوا عن مناصرته في الصراع الذي دار بينه وبين معاوية والذي سيصبح أصل الخلاف بين السنة والشيعة ، ومن هنا وجدنا أحد الخوارج : ابن ملجم يغتال عليّا في جامع الكوفة سنة ٤٠ ٦٦١. الذي يقول ابن جبير (ص ١٦٨) " إن عدد أبلطته في الجانب القبلي خمسة وفي سائر الجوانب بلاطان ويضيف ابن جبير : " إن الناس يصلون فيه باكين داعين" ...
(١٦٨) القرآن الكريم ، السورة ١١ ، الآية ٤٠ : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنّور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك.