ومن خوّاصّ هذه المدينة وعجائبها انّه لا يقصدها أحد بسوء الّا عاد عليه مكروه وحيل بينه وبينها ، وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرّة في البرّ والبحر فأرسل الله سبحانه عليه ريحا عاصفا كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها(٨٤) ، وكذلك ذكر لي أن الملك المجاهد سلطان اليمن (٨٥) عيّن ابن عمّ له بعسكر كبير برسم انتزاعها من يد ملكها ، وهو أيضا ابن عمّه فلمّا خرج ذلك الأمير عن داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعا ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها.
ومن الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم نزلت بدار الخطيب بمسجدها الاعظم وهو عيسى بن عليّ ، كبير القدر ، كريم النفس فكان له جوار مسمّيات بأسماء خدم المغرب : إحداهنّ اسمها بخيت والأخرى زاد المال ولم أسمع هذه الأسماء في بلد سواها.
وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون العمائم ، وفي كلّ دار من دورهم سجّادة الخوص معلّقة في البيت يصلّي عليها صاحب البيت كما يفعل أهل المغرب ، وأكلهم الذرة وهذا التشابه كلّه ممّا يقوّي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير (٨٦).
وبقرب من هذه المدينة بين بساتينها زاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمّد بن أبي بكر (٨٧) عيسى من أهل ظفار ، وهذه الزاوية معظمة عندهم يأتون إليها غدوّا وعشيّا ، ويستجيرون بها فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه ، رأيت بها شخصا ذكر لي أن له بها مدّة سنين مستجيرا لم يتعرّض له السلطان ، وفي الأيّام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان وأقام فيها حتّى وقع بينهما الصلح.
__________________
(٨٤) تهمتن وليس تمتهن ، مرّ وسيمرّ بنا أيضا ... وحسب علمنا فإنه لم تكن هناك غير غارة واحدة قامت بها هرمز ضد ظفار ، وهي ترجع للعهد الحبوضي عام ٦٦٠ ١٢٦٢.
(٨٥) تقدمت الاشارة إلى الملك المجاهد وهذه الغارة لم نجد لها ذكرا فيما بين أيدينا من المصادر اليمنية فهي من إفاداته الجديرة بالمتابعة.
(٨٦) هذا الاعتقاد مبني على الرواية التي تتحدث عن فتح التبابعة لا فريقيا وبلاد البربر قبل الإسلام وهي اطروحة تضافرت على نقلها طائفة من المصادر التاريخية لكن ابن خلدون في مقدمته زيّفها المقدمة ص ١٦ والمجلد ٦ ص ١٩١ أنظر المقريزي في كتابه البيان والاعراب عما بمصر من الأعراب د. التازي : الصلات التاريخية بين المغرب وعمان ص ١٨ ، سلطنة عمان ـ غشت ١٩٨١. ويستجيرون بها فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه ، رأيت بها شخصا ذكر لي أن له
(٨٧) يذكر صطيفان ييرازيموس أن شاهد قبر من الحجر عثر عليه في المكان الذي يحمل اسم أبي محمد بن أبي بكر ... توفي عام ٧١٥ ـ ٧١٤ ١٣١٥.
٨٩ ، II تعليق Voyages ـ ـ ـ II ,٨٩ Note ٧٨.