ويحترمونه. فوصلنا إلى جبله (٣٤) وهي بلدة صغيرة حسنة ذات نخل وفواكه وأنهار ، فلمّا سمع الفقيه أبو الحسن الزيلعيّ بقدوم الشيخ أبي الوليد استقبله وأنزله بزاويته وسلّمت عليه معه ، وأقمنا عنده ثلاثة أيّام في خير مقام ، ثم انصرفنا وبعث معنا أحد الفقراء فتوجّهنا إلى مدينة تعزّ حضرة ملك اليمن ، وضبط اسمها بفتح التاء المعلوّة وكسر العين المهملة وزاء ، وهي من أحسن مدن اليمن واعظمها ، وأهلها ذوو تجبّر وتكبّر وفظاظة ، وكذلك الغالب على البلاد التي يسكنها الملوك ، وهي ثلاث محلّات إحداها يسكنها السلطان ومماليكه وحاشيته وأرباب دولته وتسمّى باسم لا أذكره ، والثانية يسكنها الأمراء والأجناد ، وتسمّى عدينة ، والثالثة يسكنها عامّة الناس وبها السوق العظمى ، وتسمّى المحالب (٣٥).
ذكر سلطان اليمن
وهو السلطان المجاهد نور الدين (٣٦) عليّ ابن السلطان المؤيد هزبر الدين داوود بن السلطان المظفّر يوسف بن عليّ ابن رسول ، شهر جدّه برسول لان أحد خلفاء بني العبّاس أرسله إلى اليمن ليكون بها أميرا ، ثم استقلّ اولاده بالملك. وله ترتيب عجيب في قعوده وركوبه ، وكنت لمّا وصلت هذه المدينة مع الفقير الذي بعثه الشيخ الفقيه أبو الحسن الزيلعيّ
__________________
(٣٤) جبلة هي المدينة التي التقى فيها ابن بطوطة بالشيخ الزيلعي ويلاحظ أنها أي جبلة لا توجد على الطريق المباشر الذي يذهب من زبيد إلى تعز كما يفهم من ابن بطوطة ، بل تقع على بعد ٧٥ ميلا شرق جنوب زبيد ، ٤٠ ميلا شمال تعز ، بضعة أميال من مدينة إب ، وتسمى جبلة قديما مدينة النهرين لأنها كانت بين نهرين ، ابتناها عبد الله بن علي الصليحي سنة ٤٥٨ وسماها جبلة باسم يهودي كان يبيع الفخار فيها ، ثم انتقل إليها أحمد بن علي ابن محمد الصليحي وزوجته الملكة أروى بنت أحمد الذي فوض أمر المملكة إليها وصارت جبلة بعد ذلك عاصمة للدولة الصليجية ... وللسيدة أروى بنت أحمد مآثر كثيرة في جبلة ... معجم البلدان ـ لياقوت ومعجم البلدان والقبائل اليمنية. ص ١٢٢.
(٣٥) ذكرت (تعز) من قبل ياقوت وكذلك ابن المجاور على أنها قلعة عظيمة من قلاع اليمن المشهورات وقد بلغت أوجها أيام حكم بني رسول. ونذكر هنا أن اسم المحلة الأولى التي نسي ابن بطوطة هي على ما يظهر (المعزية) ، وعدينة تقع في لحف الحصن على ما عند ابن المجاور (ص ٢٣٣) أما المحالب فلم يتردد لها ذكر على ما يبدوا في غير رحلة ابن بطوطة ... ويتحدث ابن المجاور (ص ٥٨ ـ ٦٣) عن المحالب كموقع جغرافي كان مدينة على بعد ثلاثة فراسخ شمال وادي سردود ، هذا ويجدر التساؤل حول ما نعت به ابن بطوطة سكان العواصم من التجبر والتكبّر والفظاظة ...
(٣٦) هذا هو الملك الخامس من دولة بني رسول الغسانيين وقد خصصت المصادر اليمنية حيزا كبيرا لهذه الدولة التي كان لها أثر كبير في صنع تاريخ اليمن ...
الخزرجي : العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية تحقيق محمد الأكوع مركز الدراسات والبحوث اليمنى طبعة ثانية ١٤٠٣ ١٩٨٣ ـ ابن الديبع : كتاب قرة العيون بأخبار اليمن الميمون تحقيق : محمد بن علي الأكوع الحوالي ، ج ٢ ، ص ٧٥. ـ بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد ، تحقيق : عبد الله الحبشي ـ مركز الدراسات والبحوث اليمنى ـ صنعاء ١٩٧٩.