ثم لما فتّشوني قام الموكّل بالباب فأخد بيدي وفتح الباب وأحاط بي أربعة من الرجال : أمسك اثنان بكمّي واثنان من ورائي فدخلوا بي إلى مشور كبير حيطانه بالفسيفساء قد نقش فيها صوّر المخلوقات من الحيوانات والجماد ، وفي وسطه ساقية ماء ومن جهتها الأشجار والناس واقفون يمينا ويسارا ، سكوتا لا يتكلم أحد منهم ، وفي وسط المشور ثلاثة رجال وقوف أسلمني أولئك الأربعة إليهم فأمسكوا بثيابي كما فعل الآخرون وأشار اليهم رجل فتقدّموا بى وكان أحدهم يهوديّا ، فقال لي بالعربي : لا تخف فهكذا عادتهم أن يفعلوا بالوارد ، وأنا التّرجمان ، وأصلي من بلاد الشام فسألته : كيف أسلّم؟ فقال : قل السلام عليكم.
ثم وصلت إلى قبّة عظيمة والسلطان على سريره وزوجته أمّ هذه الخاتون (٩٣) بين يديه ، وأسفل السرير الخاتون وإخوتها وعن يمينه ستّة رجال ، وعن يساره أربعة وعلى رأسه أربعة ، وكلّهم بالسلاح ، فأشار إليّ قبل السلام والوصول إليه بالجلوس هنيهة ليسكن روعي! ففعلت ذلك ، ثم وصلت إليه فسلّمت عليه وأشار إليّ أن أجلس فلم أفعل! وسألني عن بيت المقدس وعن الصخرة المقدّسة وعن القمامة (٩٤) وعن مهد عيسى ، وعن بيت لحم وعن مدينة الخليل عليهالسلام ثم عن دمشق ومصر والعراق وبلاد الروم ، فأجبته عن ذلك كلّه ، واليهوديّ يترجم بيني وبينه ، فأعجبه كلامي ، وقال لأولاده : أكرموا هذا الرجل وامّنوه ، ثمّ خلع عليّ خلعة ، وأمر لي بفرس مسرج ملجم ومظلّة من التي يجعلها الملك فوق رأسه ، وهي علامة الأمان ، وطلبت منه أن يعيّن من يركب معي بالمدينة في كلّ يوم حتى أشاهد عجائبها وغرائبها وأذكرها في بلادي ، فعيّن لي ذلك.
ومن العوائد عندهم أن الذي يلبس خلعة الملك ويركب فرسه يطاف به في أسواق المدينة بالأبواق والإنفار والأطبال ليراه الناس ، وأكثر ما يفعل ذلك بالأتراك الذين يأتون من بلاد السلطان أوزبك لئلا يؤذون فطافوا بي في الأسواق.
__________________
(٩٣) هي جان ، ابنة أميدي (AMEDEE) الخامس صاحب صافوا (SAVOIE) : زوجته الثانية ، كانا قد تزوجا عام ٧٢٦ ١٣٢٦.
(٩٤) القصد إلى كنيسة (l\'Eglise du saint Sepulcre).