تحت ذمّة المسلمين من التركمان (٩) ، وسرنا في البحر عشرا بريح طيّبة ، وأكرمنا النّصرانيّ ولم يأخذ منّا نولا (١٠) ، وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا (١١) ، وهي أول بلاد الروم.
وهذا الاقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله فيه ما تفرّق من المحاسن في البلاد ، فأهله أجمل الناس صورا وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم واكثر خلق الله شفقة، ولذلك يقال البركة في الشام والشفقة في الروم ، وانّما عني به أهل هذه البلاد ، وكنّا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو دارا يتفقّد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء ، وهنّ لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودّعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا ، وترى النساء باكيات ، لفراقنا متأسفات.
ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة يعدّون فيه ما يقوتهم سائرها ، فكان رجالهم يأتون الينا بالخبز الحار في يوم خبزه ومعه الإدام الطيّب إطرافا لنا بذلك ، ويقولون لنا : إنّ النساء بعثن هذا إليكم وهنّ يطلبن منكم الدعاء.
وجميع أهل هذه البلاد على مذهب الامام أبي حنيفة رضياللهعنه مقيمين على السّنّة لا قدرىّ فيهم ولا رافضيّ ولا معتزلي ولا خارجيّ ولا مبتدع ، وتلك فضيلة خصّهم الله تعالى بها إلّا أنّهم ياكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك.
ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر يسكنها التّركمان ، وينزلها تجار مصر واسكندريّة والشام ، وهي كثيرة الخشب ومنها يحمل إلى اسكندرية ودمياط ويحمل
__________________
(٩) فتحت بلاد الأناضول (ANATOLIA) انطلاقا من آسيا ، من لدن التركمان الذين عمّروها في وقت سابق بعد الانتصار الذي حققه ألب ارسلان السلجوقي في ملازگيردMALAZGIRD بتاريخ ٢٠ ذي القعدة ٤٦٣ ١٩ غشت ١٠٧١ على الامبراطور رومانيوس الرابع وفي وقت لاحق مع تأسيس وتطور الإمارات التركية ابتداء من القرن السابع الهجري الرابع عشر الميلادي ...
(١٠) النّول ج أنوال : الأجرة ويعتقد گيب أن للكلمة صلة بالمعنى التقني للكلمة الايطالية التي تعني تكلفة الشحن ... ومنه الاسم بالإيطاليةNolo.
(١١) العلايا هي اليوم ألانيا (ALANYA) ، ربما كان الاسم في الأصل هو العلائية نسبة إلى علاء الدين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو الأول السلطان السلجوقي لبلاد الروم : آسيا الصغرى ، وتقع العلايا شرقي خليج أنطالياAntalya وقد احتلها عام ٦١٧ ١٢٢٠ وحصّنها كمنفذ لدولته على البحر المتوسط وقد حكم علاء الدّين مدة ٢٦ عاما ... وتوفي عام ٦٣٦ ١٢٣٨ بعد أن تجرع السم من يد ابنه كيخسرو الذي جلس على العرش تحت اسم غياث الذين كيخسر بن كيقباد .. إلى أن أصبح الحل والعقد في المنطقة بيد المغول ... د. أحمد كمال الدين حلمي : السلاجقة في التاريخ والحضارة ، الكويت ١٣٩٥ ١٩٧٥ ص ٨٧.