مدّ وآخره سين مهمل ، وهي من أحسن بلاد الروم وأضخمها ، كثيرة الفواكه والبساتين والمياه ، نزلنا منها بزاوية أحد الفتيان الأخيّة ففعل أضعاف ما فعله من قبله من الكرامة والضيافة ودخول الحمّام وغير ذلك من حميد الأفعال ، وجميل الأعمال.
ولقينا بمدينة ميلاس رجلا صالحا معمّرا يسمّى بابا الششتريّ (٤٥) ذكروا أنّ عمره يزيد على مائة وخمسين سنة وله قوّة وحركة وعقله ثابت وذهنه جيّد دعى لنا وحصلت لنا بركته.
ذكر سلطان ميلاس.
وهو السلطان المكرّم شجاع الدين أرخان بك بن المنتشا (٤٦) ، وضبط اسمه بضمّ الهمزة واسكان الراء وخاء معجم وآخره نون ، وهو من خيار الملوك حسن الصورة والسيرة جلساؤه الفقهاء ، وهم معظّمون لديه ، وببابه منهم جماعة ، منهم الفقيه الخوارزميّ عارف بالفنون فاضل ، وكان السلطان في أيام لقائي له واجدا عليه بسبب رحلته إلى مدينة أيا سلوق ووصوله إلى سلطانها وقبول ما أعطاه ، فسأل منّي هذا الفقيه : أن أتكلّم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره فأثنيت عليه عند السلطان وذكرت ما علمته من علمه وفضله ، ولم أزل به حتى ذهب ما كان يجده عليه ، وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزوّدنا.
وسكناه في مدينة برجين وهي ، قريبة من ميلاس بينهما ميلان (٤٧) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة واسكان الراء وجيم وياء مدّ وآخره نون ، وهي جديدة على تلّ هنالك ، بها العمارات الحسنة والمساجد ، وكان قد بنى بها مسجدا جامعا لم يتمّ بناؤه (٤٨) بعد ، وبهذه البلدة لقيناه ، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي عليّ ، ثم انصرفنا بعد ما أحسن إلينا كما
__________________
(٤٥) ذكر الرحالة التركي أوليا شلبي سالف الذكر أن قبر الششتري موجود إلى اليوم ، وأنه موضع عناية ورعاية من لدن سكان ميلاس.
(٤٦) يذكر أن المنطقتين القديمتين : ليسي (LYCIE) وكاري (CARIE) اللتين كانتا بحوزة البيزنطيين ، احتلتا من لدن التركمان الذين وردوا من البحر انطلاقا من سواحل خليج انطاليا. مينتشي I(MENTECHE) المؤسس الأول الذي تسمى الدولة به توفي بعد عام ٦٨٠ ١٢٨٢ تاركا ولدا : (مسعود) في ميلاس ، كما ترك ولدا آخر (كرمان) في فينيك خلف مسعود كان هو ولده أرخان ٧١٨ ١٣١٩ إلى ما قبل ٧٤٤ ١٣٤٤. الشخصية التاريخية التي التقى بها ابن بطوطة هو الذي قام عام ١٣٢٠ بمهاجمة رودس RHODES وقد خلفه ولده ابراهيم الذي ذكره رحالتنا في مغلة.
(٤٧) برجين (PECHIN) على بعد خمسة كيلوميترات جنوب ميلاس.
(٤٨) هناك نقش على هذا المسجد يحمل حسب الرحالة التركي أوليا شلبي سالف الذكر تاريخ ٢ (٣) ٧ ١٣٣١ بيد أن الرقم الوسط غير مؤكد وبما أن زيارة ابن بطوطة تمت بتاريخ ٧٣١ فإن الأمر يحتاج إلى تأويل ولعلّ التاريخ المنقوش تاريخ إتمام البناء.