التوجه إلى مدينة السّرا حضرة السلطان محمد أوزبك فعملت على السير في صحبته واشتريت العجلات برسم ذلك.
ذكر العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد.
وهم يسمون العجلة عربة ، بعين مهملة وراء وباء موحدة مفتوحات ، وهي عجلات تكون للواحدة منهنّ أربع بكرات (١٢) كبار ، ومنها ما يجرّه فرسان ومنها ما يجرّه أكثر من ذلك ، وتجرّها أيضا البقر والجمال على حال العربة في ثقلها أو خفّتها ، والذي يخدم العربة يركب أحد الأفراس التي تجرّها ويكون عليه سرج ، وفي يده سوط يحرّكها للمشي ، وعود كبير يصوّبها به إذا عاجت عن القصد ، ويجعل على العربة شبه قبّة من قضبان خشب مربوط بعضها إلى بعض بسيور جلد رقيق وهي خفيفة الحمل وتكسى باللّبد أو بالملفّ ، ويكون فيها طيقان مشبكة ، ويرى الذي بداخلها الناس ولا يرونه ، ويتقلّب فيها كما يحبّ وينام ، ويأكل ويقرأ ويكتب وهو في حال سيره والتي تحمل الأثقال والأزواد وخزائن الأطعمة من هذه العربات يكون عليها شبه البيت كما ذكرنا ، وعليه قفل.
وجهّزت لمّا أردت السفر عربة لركوبي مغشاة باللّبد ، ومعي بها جارية لي وعربة صغيرة لرفيقي عفيف الدين التوزريّ ، وعجلة كبيرة لسائر الأصحاب يجرّها ثلاثة من الجمال يركب أحدها خادم العربة ، وسرنا في صحبة الأمير تلكتمور وأخيه عيسى وولديه قطلودمور وصاروبك ، وسافر أيضا معه في هذه الوجهة أمامه سعد الدّين والخطيب أبو بكر والقاضي شمس الدين والفقيه شرف الدين موسى والمعرّف علاء الدين ، وخطّة هذا المعرف أن يكون بين يدي الأمير في مجلسه ، فإذا أتى القاضي يقف له هذا المعرّف ويقول بصوت عال : بسم الله ، سيدنا ومولانا قاضي القضاة والحكّام ، مبيّن الفتاوي والأحكام ، بسم الله ، وإذا أتى فقيه معظّم أو رجل مشار إليه قال : بسم الله ، سيدنا فلان الدين ، بسم الله فيتهيأ من كان حاضرا لدخول الداخل ، ويقوم إليه ويفسح له في المجلس. وعادة الأتراك أن يسيروا في هذه الصحراء سيرا كسير الحجّاج في درب الحجاز ، يرحلون بعد صلاة الصبح وينزلون ضحى ، ويرحلون بعد الظهر وينزلون عشيا ، وإذا نزلوا حلّوا الخيل والإبل والبقر عن العربات وسرّحوها للرعي ليلا ونهارا ولا يعلف أحد دابّة لا السلطان ولا غيره.
__________________
(١٢) ورد وصف هذه العربات في مصادر أوربية (W.DE REBRUCK) وكان مما ذكر فيها أن بعض المراكب قد تجرها ٢٢ عجلا ، ١١ تمشي موازية مع ١١ الأخرى ... هذا ويلاحظ أن (القبجق) استعاروا كلمة (عربة) وادخلوها لغتهم ، وقد زرت وأنا في قلب موسكو عام ١٩٧٤ ساحة تحمل اسم (أربا) قيل لي إنها كانت محطة تجمّع لنقل المسافرين على العربات ... د. التازي : مع ابن بطوطة من البحر الأسود إلى نهر جيحون (المناهل) ١٩٧٥ مصدر سابق.