وسافرت من مدينة عدن في البحر أربعة أيّام (٤٥) ووصلت إلى مدينة زيلع (٤٦) وهي مدينة البربرة ، وهم طائفة من السودان (٤٧) شافعيّة المذهب وبلادهم مسيرة شهرين أوّلها زيلع وآخرها مقدشو ، ومواشيهم الجمال ولهم أغنام مشهورة السّمن.
وأهل زيلع سود الألوان وأكثرهم رافضة ، وهي مدينة كبيرة لها سوق عظيمة إلّا أنّها أقذر مدينة في المعمور وأوحشها وأكثرها نتنا ، وسبب نتنها كثرة سمكها ودماء الإبل التي ينحرونها في الأزقّة. ولمّا وصلنا إليها اخترنا المبيت بالبحر على شدّة هوله ولم نبت بها لقذرها.
__________________
(٤٥) ذهاب ابن بطوطة من عدن ينبغي أن يكون بتاريخ النصف الثاني من شهر يناير ١٣٣١ النصف الثاني من ربيع الثاني وهو التاريخ الذي يصادف فترة هبوب الرياح الموسمية من الشمال الشرقي التي تجعل السفر ممكنا ، بينما نجد تلك الرياح إنما تساعد في العودة عندما تهب من الجنوب الغربي حوالي نهاية ابريل ... يلاحظ انتقال ابن بطّوطة من قارة آسيا إلى افريقيا ...
(٤٦) زيلع : ميناء يقع في الصومال الحالية جنوب جيبوتي ... وقد كانت على ذك العهد أحد المعاقل والمنافذ الهامة ـ وحتى نتصور بعض ما سيشير اليه ابن بطوطة من حقائق تاريخية للمنطقة ينبغي أن نذكر هنا أن العمانيين أول من اتخذوا لهم مستوطنات على الساحل الشرقي لافريقيا بعد انتفاضتهم على حكم عبد الملك ابن مروان ... ثم كانت الموجة الثانية من المهاجرين الملتجئين لشرق افريقيا عندما انهزم زيد بن علي بن أبي طالب على يد انصار الخليفة واضطر انصاره للنجاة فاجتازوا البحر إلى شرق افريقيا حيث امكنهم أن يمارسو السلطة في بنادر المنطقة ، ومع النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ٣٦٥ ٩٧٥ قدمت مجموعة أخرى من الاحساء (ناصر خسرو علوي: سفرنامه ص ١٥٨ ـ ١٥٩) حيث ابحر سبعة اخوة في ثلاث سفن ... ورفض الزّيديون الاعتراف بالقادمين الجدد فتراجعوا إلى الداخل وتزاوجوا مع الوطنيين وكان على رأس السبعة أخوهم حسن بن علي أحد أبناء حاكم شيراز ... واستوطنوا على طول أرض الساحل الشرقي التي يسميها ابن بطوطة بلاد السواحل ... حيث توقفت سفينة في جزيرة منبسى ، وتوقفت السفينة التي تقلّ حسينا في كلوة اتية الذكر الخ.
ومن هنا سمعنا عن قبائل زيلع السبع ... وسمعنا أن خطبة الجمعة تخطب باسمائهم جميعا! سمعنا عن وجود عدد كبير هنا من السادة المنحدرين من الرسول عليه الصلوات ، هذا ويطلق (جبرت) عند المصريين على المسلمين الصوماليين ومعلوم أن للجبرته رواقا خاصا في الأزهر الشريف إلى جانب رواق المغاربة.
E.PLOCHET : PATROLOGIA ORIENTAL IA ,PARIS ٠٢٩١
أحمد حمود المعمري : عمان وشرقي الجزيرة ، تعريب محمد أمين عبد الله ١٩٧٩.
(٤٧) البربرة أو بربرا يعدّهم بعض الجغرافيين العرب من القبائل التي تنسب إلى القبائل الحامية التي ليست حبشية ولا زنجية ، وهم الصوماليون بصفة خاصة ونجد ابن بطوطة هنا يتحدث عن عدّهم من السودان.
وقد ورد ذكر مدينة البربرة عند بطوليمي وعند ابن سعيد ويقول ياقوت إن لهم لغة برأسها لا يفهمها غيرهم ... وإلى بربرا تنسب الخيول الرفيعة ، وقد جاء في شعر امرئ القيس :
على كل مقصوص الذناب معاند |
|
يريد السّرى بالليل من خيل بربرا. |