ثم سافرنا إلى مدينة دارا (٢٨٢) وهي عتيقة كبيرة بيضاء المنظر لها قلعة مشرفة وهي الآن خراب لا عمارة بها وفي خارجها قرية معمورة بها كان نزولنا ، ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة ماردين (٢٨٣) ، وهي مدينة عظيمة في سفح جبل من أحسن مدن الإسلام وأبدعها وأتقنها وأحسنها أسواقا وبها تصنع الثياب المنسوبة اليها من الصوف المعروف بالمرعز (٢٨٤) ، ولها قلعة شمّاء من مشاهير القلاع في قنّة جبلها.
قال ابن جزي : قلعة ماردين هذه تسمّى الشهباء وايّاها عنى شاعر العراق صفّي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلّي (٢٨٥) بقوله في سمطه :
فدع ربوع الحلّة الفيحاء |
|
وازورّ بالعيس عن الزّوراء |
ولا تقف بالموصل الحدباء |
|
انّ شهاب القلعة الشّهباء |
محرق شيطان صروف الدّهر وقلعة حلب تسمّى الشّهباء ، ايضا ، وهذه المسمّطة بديعة مدح بها الملك المنصور سلطان ماردين (٢٨٦) وكان كريما شهير الصّيت ، ولي الملك بها نحو خمسين سنة ، وأدرك أيّام قازان ملك التتر وصاهر السلطان خذا بنده بابنته دنيا خاتون.
__________________
(٢٨٢) كانت دارا من أعظم الحصون الحدودية لبيزنطة ضد الساسانيين في فارس. وقد أصاب ابن بطوطة عندما تحدث عن خرابها كلية ، انظر الهروي ... ثم يظهر أن وصف منظرها بالبياض سواء من ابن جبير وابن بطوطة ، مع وجود نصوص تتحدث عن السواد ، يحتاج إلى تاويل ... ويتحدث ابن حوقل عن دارا على أنها كثيرة الخيرات وأنها تحتوي على جميع المطاعم والمآكل ...
(٢٨٣) ماردين من أشهر القلاع في غرب آسيا من المناطق الكردية جنوب تركيا الحالية ، قاومت وتمكنت من انشاء إمارة محلية هي الدولة الأرتقية التي استمرت متماسكة من عام ٤٩٧ إلى ٨١٠ ه ١١٠٤ ـ ١٤٠٧ م أكثر من ثلاثة قرون على ما سنرى في التعليق ٢٨٦.
(٢٨٤) المرعز أي شعر المعز.
(٢٨٥) صفي الدين : عبد العزيز بن سرايا بن علي الطائي الحلّي نشأ في الحلة ... تعاني الأدب فمهر فيه وتعانى التجارة فكان يرحل إلى الشام ومصر وماردين وغيرها تقرب من ملوك" الامارة الأرتقية" ومدحهم ... ومدح السلطان الناصر والملك الصالح صاحبا القاهرة ... أدركه أجله عام ٧٥٠ ١٣٤٩. ـ الدرر الكامنة ج ٢ ص ٤٧٩ ـ ٤٨٠. جواهر الأدب للهاشمي ـ الطبعة ٤ عام ١٣٤٧ ١٩٢٨ مصر.
(٢٨٦) القصد إلى غازي بن قرا أرسلان بن أرتق بن غازي : وهو الملقب الملك المنصور بن المظفر بن السعيد بن المنصور صاحب ماردين" كان سمينا لا يتحرك إلا فوق المحفّة! دامت سلطنته لماردين عشرين سنة وقد توفى في ربيع الآخر ٧١٢ ١٣١٢ فاستقر ولده الصالح بعد وفاة أخيه فدامت مملكته أربعا وخمسين سنة ، وبقتله انقرضت دولتهم بماردين وكان ابتداؤها أيام تتش أخي ملك شاه السلجوقي بعد ستة وتسعين وأربعمائة ، فكانت المدة ثلاثمائة سنة وبضع عشرة سنة! ـ الدرر ٣ ، ص ٢٩٦ENCY.ISLAM : ARTOKIDS.